هل الغبطة على نجاح الآخرين خطيئة؟

الغبطة بمعنى تمني نعمة مماثلة للآخرين دون تمني زوالها منهم، ليست خطيئة وقد تكون دافعاً إيجابياً. أما الحسد، وهو تمني زوال النعمة عن الغير، فهو خطيئة عظيمة ينهى عنها القرآن بشدة، ويشجعنا بدلاً من ذلك على طلب فضل الله وشكره.

إجابة القرآن

هل الغبطة على نجاح الآخرين خطيئة؟

للإجابة على سؤال ما إذا كانت 'الغبطة على نجاح الآخرين' خطيئة، يجب أولاً توضيح المعنى الدقيق لكلمتي 'الغبطة' و 'الحسد' من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية. في السياق الإسلامي، تشير كلمة 'الغبطة' إلى الرغبة في امتلاك نعمة أو نجاح مماثل لما يمتلكه شخص آخر، دون تمني زوال تلك النعمة عنه. في المقابل، يدل 'الحسد' على الرغبة الخبيثة في زوال النعمة من شخص آخر، سواء كان ذلك بنقلها إلى الذات أو بمجرد زوالها. يدين الإسلام والقرآن 'الحسد' بشدة، بينما تُعتبر 'الغبطة' بمعنى المنافسة الصحية والإلهام الإيجابي، ليست محرمة فحسب، بل يمكن أن تكون مستحبة في بعض الحالات، شريطة ألا تتحول إلى حسد وتؤدي إلى أفعال مذمومة. القرآن الكريم يحذر صراحة من 'الحسد' وشر الحاسد. في سورة الفلق، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"، أي: "ومن شر حاسد إذا حسد". هذه الآية تبين بوضوح أن الحسد رذيلة أخلاقية يمكن أن تكون مصدر شر وضرر. الحسد يتجذر في عدم الرضا بقضاء الله، وضعف الإيمان بعدل الله، والضغينة تجاه الآخرين. الشخص الحاسد، في جوهره، يعترض على القدر والتدبير الإلهي ولا يطيق النعم التي أنعم الله بها على عباده. هذه الحالة النفسية لا تجلب السلام للحاسد فحسب، بل تغرقه في دوامة من الحزن والضغينة والقلق، وقد تدفعه نحو ذنوب أخرى مثل الغيبة والنميمة والافتراء وحتى محاولة إيذاء الآخرين. على الرغم من أن القرآن لم يتناول كلمة 'الحسد' بالتفصيل في جميع السياقات، إلا أن رسائله العامة تؤكد على القناعة والشكر والرضا بقضاء الله، وتجنب الفرقة والعداوة، وكلها تتناقض مع طبيعة الحسد. من ناحية أخرى، يمكن أن تحمل 'الغبطة'، كما ورد في السؤال، دلالة إيجابية. عندما يرى الإنسان نجاحًا أو خيرًا في شخص آخر ويتمنى أن يحقق نفس النجاح أو الخير لنفسه، دون أن يتمنى زواله عن صاحبه، تُعتبر هذه الحالة 'غبطة'. هذا النوع من الغبطة، إذا كان بنية صادقة ولتحفيز الذات على بلوغ درجات أعلى روحياً أو مادياً (من خلال الطرق المشروعة)، فليس خطيئة. بل على العكس، يمكن أن يكون عاملاً للتقدم الشخصي والاجتماعي. على سبيل المثال، عندما يُعجب شخص بعلم أو تقوى آخر ويتمنى أن يصبح هو نفسه عالماً أو تقياً مثله، فهذه غبطة محمودة، ويُشار إليها أحيانًا بـ 'التنافس في الخيرات'. يشجع القرآن الكريم المؤمنين بوضوح على 'الاستباق في الخيرات'. في سورة البقرة، الآية 148، يقول تعالى: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أي: "ولكل أمة وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات، أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا، إن الله على كل شيء قدير". هذه الآية تشجع صراحة على المنافسة الصحية في الأمور الحسنة، والتي هي في الحقيقة الجانب الإيجابي لـ 'الغبطة'. إحدى أهم الآيات التي تساعد على التمييز بين هاتين الحالتين الروحيتين وتقدم إرشادًا للتعامل معهما، هي الآية 32 من سورة النساء: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" أي: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله، إن الله كان بكل شيء عليمًا". هذه الآية تنهى عن تمني ما فضل الله به على الآخرين، لأن هذا التمني يمكن أن يكون متجذرًا في الحسد أو على الأقل يمنع الإنسان من شكر نعم الله عليه. لكن فورًا بعد هذا النهي، تقدم الحل والعلاج: "واسألوا الله من فضله". هذا يعني أنه بدلاً من أن تتحسر على ما يمتلكه الآخرون، اطلب من الله أن يمنحك من فضله وكرمه. وهذا يدل على أن التركيز على جهود المرء وطلب الخير من الله هو الطريق الصحيح للتعامل مع المشاعر السلبية الناتجة عن المقارنة. بعبارة أخرى، لا يقول الإسلام ألا تتمنى النجاح والتقدم، بل يقول أن تتبع هذا التمني بالطريقة الصحيحة، أي من خلال الجهد المشروع والدعاء إلى الله، بدلاً من التطلع إلى ما يملكه الآخرون. بشكل عام، يمكن القول إن الغبطة إذا كانت تعني الإعجاب واستلهام التحفيز لتحسين حال المرء، فليست خطيئة بل يمكن أن تكون إيجابية. ولكن إذا اتجهت الغبطة نحو الحسد، أي تمني زوال النعمة من الآخر، فهي بلا شك من الكبائر التي تفسد الدنيا والآخرة للإنسان، وتسلب منه الطمأنينة الروحية والرضا القلبي. المؤمن الحقيقي هو الذي يرضى بما قسم الله له، ويسأل دائمًا من فضل الله، بدلًا من أن يتطلع إلى الآخرين. تعزيز الشكر والقناعة، هما ركنان أساسيان للتحرر من فخ الحسد وتحويل الغبطة إلى قوة دافعة إيجابية في مسار النمو والارتقاء. وفي الختام، هذا التمييز الدقيق والمهم بين الغبطة (بمعناها الإيجابي) والحسد هو المفتاح لفهم هذه المسألة من منظور القرآن. الغبطة الحلال والمفيدة تدفعك نحو السعي والاجتهاد لتصل أنت أيضًا إلى تلك الدرجة، بينما الحسد الحرام والمضر يدفعك نحو تدمير الذات والآخرين. وعليه، يمكن القول إن 'الغبطة على نجاح الآخرين' إذا كانت بمعنى الاستلهام والسعي لتحقيق نجاحات مماثلة بالطرق المشروعة، فليست خطيئة، بل هي محمودة؛ أما إذا تحولت هذه المشاعر إلى تمني زوال نجاح الآخرين، فهي بلا شك خطيئة كبيرة ومدمرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمان الغابرة، كان رجل تقي قنوع يعيش في ركن من العالم بقلب هادئ وروح مطمئنة. وعلى الرغم من قلة ما يمتلك من متاع الدنيا، إلا أنه كان دائم الشكر لنعم الله ويستمتع بما لديه. في أحد الأيام، سكن بجواره تاجر ثري وذو مال وفير. كان هذا التاجر مشغولاً باستمرار بتوسيع تجارته وزيادة ثروته، وكلما زاد ما يكتسبه، زاد طمعه وازداد قلبه اضطرابًا. كان الرجل التقي يشاهد كل يوم جهود التاجر المتواصلة وقلقه الدائم. ذات يوم، قال أحد أصدقاء التاجر الذي كان على علم بحالته المضطربة وقلقه المستمر للرجل التقي: "ما أسعد حظك! بدون أي جهد أو عناء، قلبك مطمئن وتستمتع بحياتك. أما هذا التاجر المسكين، فمع كل أمواله وثروته، لا يهنأ بلحظة سلام ودائمًا ما يحترق خوفًا من فقدان ممتلكاته أو عدم تحقيق آماله. أليس من العدل أن تستفيد أنت أيضًا من بعض هذه النجاحات الدنيوية؟" ابتسم الرجل التقي وقال: "يا صديقي العزيز، ما تشير إليه بـ'النجاح' بالنسبة لي يتلخص في راحة قلبي وطمأنينة روحي. وبالحق، أنا لا أغبط حاله ولا أتمنى زوال النعمة عنه؛ فهذا حسد وهو سبب الخراب. بل إن كانت هناك غبطة، فهي أنني أتمنى لو أنه أيضًا نال طمأنينة قلبي، فإن الثروة بلا قناعة كبحر لا نهاية له: كلما شربت منه، ازددت عطشًا. أنا بدلاً من تمني ما يملكه، أسأل الله الرحيم أن يرزقني وإياه من فضله الواسع، وأن يملأ قلوبنا بنور القناعة والشكر. فالحسد يُظلم القلب الذي فيه نور الإيمان، بينما الغبطة التي تؤدي إلى السعي الحلال تجلب النور والبركة." هذه الحكاية تُظهر أنه على الرغم من أن نجاحات الآخرين يمكن أن تكون ملهمة، إلا أن الغبطة لا ينبغي أن تتحول إلى حسد. بل يجب أن يطمئن المرء قلبه بالقناعة بما لديه وبطلب فضل الله، وأن يسير في طريق الخير والسعي.

الأسئلة ذات الصلة