يعتبر الصمت أمام الظلم في الإسلام خطيئة وغالباً ما يُنظر إليه على أنه تواطؤ، لأن القرآن يأمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة العدل. وهذا يتناقض مع التوجيهات الإلهية التي تحث على المعارضة الفعالة للظلم.
في التعاليم الإسلامية، وخاصة المستمدة من القرآن الكريم، فإن الموقف من الصمت أمام الظلم واضح لا لبس فيه: يُعتبر بشكل عام فشلًا أخلاقيًا وروحيًا جسيمًا، غالبًا ما يرقى إلى مستوى التواطؤ، وبالتالي يمكن اعتباره خطيئة بالفعل. يؤكد القرآن على المشاركة الفعالة في إقامة العدل، ودعم الحق، والنهي عن المنكر. يرسم صورة للمؤمن الفاعل الذي هو قوة للخير في المجتمع، وليس مراقبًا سلبيًا للخطأ. يرتكز هذا المبدأ على الأمر القرآني الأساسي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". هذا ليس مجرد توصية، بل هو واجب أساسي على الأمة الإسلامية والأفراد داخلها. يقول الله تعالى في سورة آل عمران (3:104): "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". تُسلط هذه الآية الضوء صراحة على أن الفلاح، دنيويًا وأخرويًا، يرتبط بالترويج النشط للخير ومنع الشر. الصمت أمام الظلم يتناقض مباشرة مع جانب "النهي عن المنكر"، حيث يسمح للخطأ بالاستمرار وحتى الازدهار. هذا الأمر الإلهي ليس مجرد توجيه أخلاقي؛ بل هو ركيزة أساسية للحفاظ على صحة وديناميكية المجتمع الإسلامي. فعندما يبقى المنكر، خاصة الظلم، دون رادع، فإنه لا يشجع الظالم فحسب، بل يمكن أن يؤدي هذا الصمت أيضًا إلى إضعاف روح السعي للحق والشعور بالمسؤولية لدى الآخرين. علاوة على ذلك، يدعو القرآن المؤمنين مرارًا وتكرارًا ليكونوا "قوامين بالقسط"، أي "الذين يقومون بالعدل" أو "الذين يقفون بحزم من أجل العدل". هذا الأمر عميق لدرجة أنه يمتد حتى إلى المواقف التي قد يتعارض فيها الوقوف من أجل العدل مع مصالح الفرد أو مصالح أحبائه. في سورة النساء (4:135)، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا". تؤكد هذه الآية القوية أن العدل مبدأ مطلق يتجاوز التحيز الشخصي أو الروابط العائلية أو الضغط الاجتماعي. الصمت في هذا السياق يعني الفشل في الشهادة بالعدل، والفشل في الوقوف بحزم من أجل ما هو صحيح، والفشل في الوفاء بأمر إلهي يشكل جوهر المجتمع العادل. وهذا يوضح أن مسؤولية كل مؤمن تمتد إلى أبعد من المصلحة الذاتية الفردية، نحو بناء والحفاظ على بيئة اجتماعية عادلة. كما يحذر القرآن صراحة من الركون إلى الظالمين أو التواطؤ مع أخطائهم. تقول سورة هود (11:113): "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ". بينما قد يشير "الركون" إلى أكثر من مجرد الصمت (مثل الدعم أو الموافقة)، فإن الصمت عندما يكون لدى المرء القدرة على التحدث أو التصرف يمكن اعتباره شكلًا من أشكال الركون أو على الأقل فشلًا في التنصل من الظلم. تحمل الآية تحذيرًا شديدًا من العقاب الإلهي لأولئك الذين، بأفعالهم أو تقاعسهم، يسهلون الظلم. هذا يسلط الضوء على أن مجرد الامتناع عن ارتكاب الظلم بنفسه ليس كافيًا؛ بل يجب على المرء أيضًا أن يقاوم انتشار الظلم بنشاط. هذا الركون يمكن أن يشمل حتى إضعاف الإرادة لمواجهة الظلم أو خلق بيئة يشعر فيها الظالمون بالأمان. إضافة إلى ذلك، يسرد القرآن الكريم قصصًا تاريخية تعمل كعبر تحذيرية، توضح عواقب التقاعس. قصة أصحاب السبت في سورة الأعراف (7:163-166) ذات صلة بشكل خاص. في هذه القصة، خالفت مجموعة من الناس أمر الله فيما يتعلق بالسبت. انقسم المجتمع إلى ثلاث مجموعات: أولئك الذين ارتكبوا الخطيئة، وأولئك الذين نهوا عنها بنشاط، وأولئك الذين ظلوا صامتين، قائلين: "لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا؟". تقول سورة الأعراف (7:165) بوضوح: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ". بينما تختلف التفسيرات حول مصير المجموعة الصامتة، يفهم العديد من العلماء أن تقاعسهم لم يبرئهم تمامًا، وأنهم واجهوا أيضًا شكلاً من أشكال الغضب الإلهي، أو على الأقل، لم يكونوا من بين الذين تم إنقاذهم. هذه الرواية بمثابة تذكير صارخ بأن شهادة الظلم والفشل في الاستجابة، حتى بدافع الشعور بالعبثية، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة. هذا يعني أن مسؤولية المؤمن تتجاوز التقوى الشخصية إلى اليقظة الأخلاقية الجماعية. مبدأ العدل محوري في الرؤية الإسلامية للعالم. يسعى الإسلام إلى إقامة مجتمع قائم على الإنصاف والمساواة والرحمة. في مثل هذا المجتمع، يُعد الظلم نقيضًا ويجب مواجهته بنشاط. الصمت أمام الظلم يسمح للظالم بالاستمرار في أفعاله دون رقابة، ويُبرر أعماله الخاطئة، ويزيد من معاناة المظلومين. إنه يقوض النسيج الأساسي للمجتمع العادل الذي يهدف الإسلام إلى بنائه. إن المجتمع الذي يخشى فيه الناس قول الحق للسلطة، أو حيث يُفضلون راحتهم الشخصية على الوقوف من أجل حقوق الآخرين، هو مجتمع بعيد كل البعد عن المثل القرآني. هذا الصمت لا يساعد فقط على تقوية أسس الظلم، بل يؤدي أيضًا إلى تلاشي مفهوم العدل في المجتمع واختفائه تدريجياً. من المهم ملاحظة أن "التحدث علنًا" أو "العمل" ضد الظلم لا يعني دائمًا المواجهة الجسدية أو المخاطرة المتهورة. يجب أن يُوجه النهج بالحكمة وتقييم قدرة الفرد. توضح السنة النبوية ذلك، حيث تنص على أن المرء يجب أن يُغير المنكر بيده (الفعل)، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فبلسانه (الكلمات)، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فبقلبه (الاستنكار، الدعاء، العزم الداخلي)، وهذا الأخير هو أضعف الإيمان. بينما لا يُصرح القرآن صراحة بهذه المستويات، فإنه يوفر المبادئ الأساسية التي تؤكد على أهمية العمل. حتى الاستنكار بالقلب، عندما يكون العمل المباشر مستحيلًا، هو شكل من أشكال عدم الصمت. ومع ذلك، عند القدرة، يُتوقع العمل اللفظي أو الجسدي. هذا يعني أن كل مؤمن، بغض النظر عن موقعه، يتحمل مسؤولية مواجهة الظلم بقدر ما يستطيع ومن خلال الإمكانيات المتاحة له. ختاماً، إن الصمت أمام الظلم يتعارض مع العديد من الأوامر القرآنية الأساسية: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالوقوف بحزم من أجل العدل، والتحذيرات الصريحة ضد الركون إلى الظالمين. يمكن تفسير ذلك على أنه شكل من أشكال التواطؤ، أو إهمال الواجب، أو الفشل في الوفاء بالتكليف الإلهي بالعدل على الأرض. بينما قد تعتمد الدرجة المحددة لـ "الإثم" على السياق، وقدرة الفرد، والعواقب المحتملة للتدخل، فإن المبدأ العام من القرآن هو دعوة واضحة للمشاركة الاستباقية ضد جميع أشكال الظلم. فالمؤمن الحقيقي هو مشارك نشط في إقامة البر وتحدي الخطأ، وليس مجرد متفرج صامت؛ لأن الصمت يمكن أن يعني موافقة ضمنية على الطغيان، وهذا لا يتوافق مع طبيعة الإيمان. إن المجتمع الذي يتصرف فيه الظالمون دون مقاومة، ليس مجتمعًا يرضى عنه الله، وستقوم أسسه على الظلم.
يُروى أن في الأزمنة الغابرة، حكم ملك جبار كان يمارس الظلم أحيانًا، ولكن خوفًا من غضبه، لم يجرؤ أحد من حاشيته على الكلام. فقط وزير عجوز حكيم، قد ابيضت لحيته في الخدمة، امتلك الشجاعة ليجهر بالحقيقة. ذات يوم، قرر الملك أن يستولي على أرض مزارع فقير لمناطق صيده دون تعويض. التزم جميع المستشارين الصمت. لكن الوزير العجوز، بصوت يرتجف وقلب ثابت، تقدم وقال: "يا أيها الملك، أساس مملكتك هو العدل. عندما يعاني الناس الظلم في صمت، فإن أنينهم الخفي يرتفع إلى السماوات، وجدران الطغيان، مهما كانت عظيمة، ستتهاوى." توقف الملك، الذي كان غاضبًا في البداية، للحظة. واصل الوزير: "الصمت أمام الخطأ مثل بناء جدار بآجر متعفن؛ قد يصمد لبعض الوقت، ولكنه سينهار حتمًا." تأثر الملك بالحق وشجاعة الوزير، فألغى أمره وعوض المزارع بسخاء. ومنذ ذلك اليوم، استمع أكثر إلى النصيحة الصادقة، مدركًا أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلطة المطلقة، بل في العدل، وأن صمت الحكماء أخطر من صخب ألف عدو.