يؤكد القرآن الكريم على التحكم في الغضب والعفو. تبرز الآيات المختلفة الرد على الأفعال السيئة بالخير وتجاوز أخطاء الآخرين.
إدارة الغضب أحد التحديات الحياتية التي يواجهها الإنسان بشكل يومي. فالغضب هو شعور طبيعي يتولد نتيجة استجابة لمواقف صعبة أو مزعجة، لكنه إذا لم يتم التحكم به بشكل صحيح، يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على النفس والعلاقات الاجتماعية. لكن في القرآن الكريم، نجد توجيهات مثالية حول كيفية إدارة هذا الشعور والردود المناسبة عليه. تُعَد الآيات القرآنية بمثابة دليل شامل يسهم في تهذيب النفس وتعزيز الصفات الإنسانية الإيجابية. في هذا السياق، تتجلى أهمية الآيات التي تدعو إلى كظم الغيظ والعفو عن الناس. فمن الأمور التي شُدد عليها في القرآن، هي دعوة المسلمين إلى التحلي بالنفس الطيبة والتحكم في مشاعرهم السلبية. وتأتي أولى الإشارات المباشرة في سورة آل عمران، الآية 134، حيث يقول الله عز وجل: "وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ; وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". في هذه الآية الكريمة، يُعرَّف المؤمن الحقيقي بأنه ذلك الذي يملك القدرة على كظم غيظه والعفو عن الآخرين. وهذا يظهر قيمة الأخلاق النبيلة كعمود رئيسي في حياة المسلم. فالتسامح والعفو لا يُظهران فقط قوة الشخصية، بل يمثلان أيضًا أسلوب حياة يجب على المؤمن اتباعه. إن القدرة على إدارة الغضب تعتبر إحدى الصفات الحميدة التي تُعلي من قيمة الفرد في المجتمع. من جانب آخر، نجد أن سورة فصلت، الآية 34، تُضيف بُعدًا آخر في إطار التعامل مع الغضب، حيث تقول: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". هذه الآية تدل على أن ردود الأفعال التي تنبع من الحب والتسامح أعلى مقامًا وأفضل تأثيرًا من ردود الأفعال العنيفة أو السلبية. فبفتح باب الحوار البناء وتقديم الاحترام حتى في وجه الإساءة، يمكن للفرد أن يتحكم في مشاعره وأن يتجنب الوقوع في فخ الغضب. إذًا، لا يُعني كظم الغيظ التغافل عن أي خطأ أو إساءة، بل يعنى تقديم الخير بدلاً من الشر، فعندما تسود أخلاق جيدة بين الناس، تنعكس نتائج ذلك على العلاقات الإنسانية بصورة إيجابية، مما يخلق بيئة مليئة بالحسنى والمحبة. وما يعزز هذه القيم هو ما ورد في سورة البقرة، الآية 263، حيث يقول الله تعالى: "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَة يتبعها أذًى". تشير هذه الآية إلى أهمية الكلام الحسن والعفو فوق كل عطاء مادي يُقدم. ولذلك، يُفهم من هذا التوجيه أيضًا أن العطاء ليس مجرد مال، بل هو كلمة طيبة أو تصرف حسن يُجَسِّد الرحمة. إن توجيهات القرآن الكريم تعلمنا كيفية التحلي بالصبر وتجاوز العقبات بروح إيجابية، وهي صفة من صفات الأنبياء والصالحين هو ما يجب أن يسعى إليه كل مؤمن. في مواجهة الغضب، قد يكون من السهل أن نستسلم لمشاعر الغضب والاحساس بالظلم، لكن القرآن يُحضّنا على التفكير بعقلانية وهدوء. وفي ختام حديثنا عن إدارة الغضب في ضوء القرآن الكريم، نجد أن الله تعالى قد وضع مبادئ وأساليب تساعدنا على تجاوز هذه العواطف السلبية وتحويلها إلى أفعال حُسنى. فعندما يتعلم الفرد كيف يتحكم في غضبه ويستخدمه كوسيلة لتحقيق الخير، يصبح قادرًا على أن يكون هو المحور الذي يدور حوله التصحيح والإصلاح في مجتمعه. لذا، للتعامل مع الغضب، علينا أن نتذكر دائمًا أن الخير يعم والسلوك الحسن المُعزز بالقيم الأخلاقية يُعتبر الأساس الذي يمكن البناء عليه لبناء مجتمع تسوده الرحمة والسلام. إن العفو والإحسان ليسا مجرد كلمات تُقال، بل هما سلوكيات يومية يمكن أن تغير وجه العلاقات الإنسانية بل وتُحسن من نوعية الحياة للجميع.
كان هناك رجل مشهور بغضبه واستيائه بين قبيلته. تذكر حكمة قرآنية، وهي "كظم الغيظ"، وقرر أن يتحكم في غضبه عندما يواجه التحديات والصعوبات. من ذلك اليوم فصاعدا، بدلاً من الدخول في صراعات، كان يبتسم لمن يزعجه ويعاملهم بلطف. أدى هذا التغيير في سلوكه إلى أن أظهر الآخرون له المودة، وأصبح أكثر هدوءًا وسعادة كل يوم.