لا، النجاح الدنيوي ليس دائمًا علامة خير؛ بل قد يكون اختبارًا إلهيًا أو وسيلة للاستدراج والابتعاد عن الله. النجاح الحقيقي في القرآن هو التقوى والفلاح الأخروي.
في تعاليم القرآن الكريم، يتم تناول مفهوم النجاح بعمق وشمولية تتجاوز مجرد الإنجازات المادية والدنيوية. الإجابة الصريحة على سؤال ما إذا كان النجاح الدنيوي علامة خير دائمًا هي لا. يوضح القرآن بجلاء أن الإنجازات الدنيوية، بما في ذلك الثروة والسلطة والمكانة الاجتماعية والأولاد، ليست في حد ذاتها مؤشرًا قاطعًا على الرضا الإلهي ولا ضمانة للسعادة الأخروية. بل غالبًا ما تُقدم هذه النجاحات على أنها "اختبار" أو "فتنة" من الله، لقياس مدى شكر الإنسان وتقواه وثباته على طريق الحق. يصف الله سبحانه وتعالى الحياة الدنيا بأنها متاع زائل ومؤقت، ويحذر من أن التعلق بها يمكن أن يحرف الإنسان عن هدفه الأساسي من خلقه، وهو العبادة والقرب من الله. في سورة الحديد، الآية 20، يقول الله تعالى: «اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». تُظهر هذه الآية بوضوح أن طبيعة الدنيا عابرة وخادعة، ولا يمكن اعتبار النجاح فيها المعيار النهائي للخير والصلاح. أحد المفاهيم الأساسية في هذا السياق هو "الاستدراج". الاستدراج يعني أن الله سبحانه وتعالى يمنح الأفراد المذنبين أو الكافرين المزيد من النعم والنجاحات الدنيوية ليقودهم تدريجيًا وخطوة بخطوة نحو العذاب والهلاك. وهذا يحدث لكي يغرقوا أكثر في غفلتهم وعصيانهم، وفي النهاية يستحقوا عقابًا أشد. لذا، فإن زيادة النعم والنجاحات الظاهرية لبعض الأفراد، ليست علامة خير على الإطلاق؛ بل يمكن أن تكون مؤشرًا على ابتعادهم عن الطريق الإلهي وانغماسهم في المعاصي. مثال بارز على هذه الحالة هو فرعون، الذي على الرغم من قوته وثروته الهائلة، انغمس في الطغيان ودُمر في النهاية. قصة قارون في سورة القصص هي أيضًا توضيح واضح لهذا المفهوم. لقد أصاب قارون الغرور والطغيان بسبب ثروته الطائلة، ونسبها إلى علمه الخاص بدلاً من فضل الله. يقول الله تعالى في سورة القصص، الآية 81: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ». تُظهر هذه النتيجة أن الثروة والنجاح الدنيوي، عندما يكونان مصحوبين بالكفر والطغيان، ليسا فقط ليسا علامة خير، بل هما مقدمة للهلاك. يؤكد القرآن أن المعيار الحقيقي لتقييم الإنسان هو التقوى والأعمال الصالحة والسعي للآخرة. يُعرف النجاح الحقيقي (الفلاح) في القرآن بأنه الفوز في الدنيا والآخرة، والذي يتحقق بالإيمان والتقوى وأداء الواجبات وترك المحرمات والإنفاق في سبيل الله والصبر على الشدائد. تبدأ سورة المؤمنون بآيات تصف صفات المؤمنين الفائزين: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ». هذه الآيات تحدد النجاح ليس في تكديس الثروة، بل في جودة علاقة الإنسان بالله وسلوكه الأخلاقي. بالطبع، هذا لا يعني أن امتلاك الثروة أو المكانة الدنيوية أمر سيء دائمًا. إذا تم الحصول على النجاح الدنيوي بطرق مشروعة واستُخدم لمرضاة الله، وخدمة البشرية، وإعمار الأرض على منهج الحق، فإنه يمكن أن يكون مباركًا جدًا ويؤدي إلى الأجر الإلهي في الدنيا والآخرة. الأنبياء والأولياء استخدموا أحيانًا مواقعهم الدنيوية لنشر الحق وخدمة الناس. الفرق الأساسي يكمن في النية وكيفية استخدام هذه النعم. هل تؤدي هذه النجاحات إلى الغرور والغفلة، أم تصبح أدوات لمزيد من الشكر والتقرب إلى الله؟ لذلك، المنظور القرآني هو أن النجاح الدنيوي هو اختبار. على الرغم من أنه يمكن أن يكون نعمة من الله يمكن من خلالها فعل الخير، إلا أنه لا ينبغي أبدًا اعتباره المعيار الوحيد للقيمة أو علامة حتمية على الرضا الإلهي. بل يجب دائمًا النظر إليه بتواضع وشكر ووعي بالمسؤوليات الأخروية. العلامة الحقيقية للخير والصلاح هي جودة الإيمان والتقوى والثبات على طريق الله، وليس حجم الممتلكات أو المناصب الدنيوية. في الختام، بالنسبة للمسلم، النجاح الحقيقي يعتمد على نيل رضا الله وتحقيق السعادة الأخروية. فالحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة، وكل ما يُزرع فيها سيُحصد في العالم الآخر. لذا، فإن أي نجاح يقرب الإنسان من الله ويزيد إيمانه وعمله الصالح، هو علامة خير. أما النجاح الذي يغفل الإنسان عن ذكر الله ويؤدي به إلى الطغيان والتكبر، فمهما كان ظاهره لامعًا، ليس علامة خير على الإطلاق، بل يمكن أن يكون بداية السقوط والهلاك. المعيار النهائي هو التقوى والعمل الصالح، لأن الله يقول في سورة الحجرات، الآية 13: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».
في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري جدًا ومغرور، كان يعزو كل نجاحاته إلى ذكائه الخاص ولم يتذكر الله قط. كان يمتلك قصرًا فخمًا وكانت ثروته تزداد يومًا بعد يوم. في نفس المدينة، كان هناك درويش بسيط يعيش في قناعة، همه الوحيد كان ذكر الله وابتغاء مرضاته. كان الناس يعتبرون التاجر ناجحًا والدرويش فقيرًا. ذات يوم، قال الدرويش للتاجر: «يا صديقي، هذه الكنوز التي أغرّتك، هي كالمياه الجارية التي لا يمكن الإمساك بها في اليد. سيأتي يوم لا يبقى فيه كنز ولا غرور». سخر التاجر ولم يصغ لنصيحة الدرويش. مرت الأيام، وفجأة وقعت كارثة عظيمة؛ تبددت ثروة التاجر وفقد كل شيء. بقي وحيدًا ومليئًا بالندم، بينما الدرويش، بنفس قناعته وذكره لله، وجد السلام الحقيقي. في ذلك اليوم، أدرك التاجر أن النجاح الظاهري لا قيمة له إلا إذا قرب القلب من الله، لا أن يجعله ينساه.