نعم ، المغفرة هي صفة من صفات المؤمنين وتساعد على تعزيز السلام الداخلي.
في عالم اليوم، بات من الضروري على المؤمنين أن يتحلوا بصفات الرفعة والقيم الحميدة، ومن بين هذه الصفات تأتي المغفرة كواحدة من أهم الصفات التي ينبغي لهم التمسك بها. في القرآن الكريم، نجد أن المغفرة هي صفة عظيمة تُعبر عن رقي النفس وصفاء القلب. إن الله سبحانه وتعالى يُحثنا على التحلي بهذه الصفة عبر العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على ضرورة العفو والصفح. إن القرآن الكريم قد تطرق إلى قيمة المغفرة في أكثر من موضع، وتحديداً في سورة النور، حيث يقول الله تعالى في الآية 22: "ولا ينبغي أن يحلف أصحاب الفضل منكم والسعة ألا يعطوا لأقاربهم والمحتاجين والمهاجرين في سبيل الله. وليعفوا ويصفحوا. أليس من الأفضل أن يغفر الله لكم؟ والله غفور ورحيم." هذه الآية تحث المؤمنين على التحلي بالتسامح وتقديم العون والمساعدة للآخرين، مؤكدة على أن العفو عن الآخرين هو في صالحهم، بل إنه طريق لتحقيق مغفرة الله لنا. إن لحظة تكفير الأذى عن الآخرين ليست فقط لحظة نبيلة، بل هي أيضاً فرصة لخلق بيئة من الحب والتعاون بين الأفراد. إن السعي نحو المغفرة يُسهم في تقليل الأحقاد والأضغان التي قد تؤثر سلباً على العلاقات الإنسانية. في سياق آخر، في سورة آل عمران، الآية 134، نقرأ: "الصابرين والمغفرين والقائمين في الشدائد." هذه الآية تعكس الرباط الوثيق بين الصبر والمغفرة، حيث إن المؤمن الصابر هو الذي يملك القدرة على مسامحة الآخرين تجاه ما قد يواجهه من أذى. تعتبر المغفرة أيضاً تعبيراً عن قوة الشخص وأنه قادر على احتواء الأذى والتجاوز عنه، وهذا يتطلب تفكر عميق في الأضرار التي قد تلحق بالنفس جراء الكراهية أو الضغينة. المغفرة ليست مجرد عمل حسن يُؤدى بل هي خيار يُظهر نبل الأخلاق وسمو القيم. فعندما نغفر نحن نحرر أنفسنا من القيود النفسية والأحاسيس السلبية التي قد تؤثر على سعادتنا. المغفرة لا تعني تبرير الأفعال الخاطئة أو التغاضي عن المعاصي، بل هي قرار واعٍ يسمح لنا بالتحرر من الألم والغضب. من ناحية نفسية، تشير الدراسات إلى أن ممارسة العفو والمغفرة تعزز الصحة النفسية وتساعد في تقليل مستويات التوتر والقلق. مما يعكس الأثر الإيجابي على النفس والجسد. الحياة البشرية مليئة بالتحديات، وقد يتعرض الفرد لحالات من الظلم أو الأذى المتعمد. ولكن التفكير في المغفرة كخيار يُساعد الأفراد على تجاوز الآلام والتأثيرات السلبية لمثل هذه التجارب. إنها لمسة إيمانية عميقة عندما يُقرر الإنسان الصفح عن أي أذى أو اساءة تعرض لها. تبرز المغفرة قيمة التعاطف والتفاهم بين أفراد المجتمع، إذ تمنحنا الفرصة لأن نكون أكثر إنسانية وأن نسعى دوماً نحو تعزيز قيم الحب والسلام. بمنظور إسلامي، يُذكرنا الله دائماً بأن مغفرته أكبر وأعظم من ذنوبنا، ويحثنا على اتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان مثالاً يحتذى به في مسامحته للعصاة والذين أساءوا إليه. إدراك أن المغفرة ليست فقط فائدة معنوية تعود على من تسامح، بل أيضاً فائدة صحية تعود على المسامح هي رؤية عظيمة. لذا، فإن المساهمة في نشر ثقافة المغفرة داخل المجتمع تساهم في بناء مجتمع صحي قائم على المحبة والاحترام المتبادل. في النهاية، إن المغفرة هي سلوك يُعلي من قيمة الإنسان، يجعل منه شخصاً قادراً على تحقيق السلام الداخلي والخارجي. ولذلك، يجب على جميع المسلمين الأخذ بزمام المبادرة والتمسك بهذه الصفة المباركة لنحقق العيش الكريم في مجتمع يتسم بالرحمة والمودة. المغفرة ليست فقط صفة دينية، بل هي ضرورة إنسانية تستحق العيش بها لتيسير حياتنا اليومية وتحقيق السلام النفسي للمجتمع ككل.
في يوم من الأيام ، ذهبت امرأة للتشاور مع حكيم حول الغضب والضغينة التي شعرت بها تجاه جارتها. قال لها الحكيم: "إذا كنت تريدين أن تجلبي السلام إلى منزلك ، فعليك أن تتخلي عن ضغائنك وتسامحي." بعد بعض التأمل ، قررت أن تسامح جارتها. عندما فعلت ذلك ، شعرت وكأن عبئًا خفيفًا رفع من قلبها ، وازدهرت صداقة جديدة بينهما.