ما هي تعاليم القرآن حول السلام والحرب؟

القرآن يعتبر السلام الأصل الأساسي للعلاقات، ويجيز الحرب فقط في حالات الدفاع ووفق مبادئ أخلاقية صارمة، بهدف نهائي هو العودة إلى السلام والعدل.

إجابة القرآن

ما هي تعاليم القرآن حول السلام والحرب؟

القرآن الكريم، كتاب الهداية الإلهية، يقدم مجموعة شاملة وعميقة من التعاليم المتعلقة بالسلام والحرب. هذه التعاليم، على عكس بعض المفاهيم الخاطئة، تعتبر السلام هو الأصل والأساس في العلاقات الإنسانية والدولية، بينما تجيز الحرب كحل أخير فقط، ووفق شروط خاصة جدًا، ومع الالتزام بحدود وقواعد أخلاقية صارمة. في الواقع، دين الإسلام الذي اشتق اسمه من جذر "سلم" بمعنى السلام والاستسلام لله، هو في جوهره دين سلام ومصالحة، وهدفه الأسمى هو إرساء العدل والطمأنينة والتعايش السلمي في العالم. يدعو القرآن المؤمنين باستمرار إلى التوجه نحو السلام والتعايش السلمي، واجتناب أي شكل من أشكال العدوان والظلم. ففي سورة البقرة، الآية 208، يدعو الله المؤمنين للدخول في السلم (الإسلام) كافة، ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ". تدل هذه الآية على أن السلام والأمان ليس مجرد خيار، بل هو مبدأ حيوي في الحياة الإيمانية، ويجب أن يُبنى عليه المجتمع الإسلامي. التشجيع على العفو والتسامح والمصالحة وإصلاح ذات البين من التعاليم القرآنية الأخرى التي تهدف إلى تعزيز السلام. فمثلاً، في سورة فُصِّلت، الآية 34، جاء: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". هذه الآيات تظهر أن القرآن يسعى لاستئصال الكراهية والعداوة عبر الرحمة والمودة. مع ذلك، لا يتجاهل القرآن حقيقة وجود الظلم والعدوان والطغيان، وفي ظروف معينة، يجيز الحرب كضرورة لا مفر منها للدفاع عن النفس، ودفع الظلم، وإقامة العدل. هذا النوع من الحرب، الذي يسمى في الإسلام "الجهاد الدفاعي" أو "القتال"، يختلف عن "الجهاد" بمعناه الأوسع، أي بذل الجهد في سبيل الله. الجهاد بمفهومه العام يشمل كل جهد لرفع الحق، ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء، وطلب العلم، ونشر الفضيلة، وجزء صغير منه فقط يقتصر على القتال المادي. الحرب في القرآن ليست أبدًا للعدوان، أو احتلال الأراضي، أو فرض العقيدة، أو نشر الدين بالقوة. بل أهدافها محددة وواضحة تمامًا: 1. الدفاع عن النفس والأرض ضد عدوان الأعداء: في سورة البقرة، الآية 190، جاء: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ". هذه الآية تحدد بوضوح حدود القتال: القتال فقط ضد المعتدين، ويجب عدم تجاوز الحدود. 2. دفع الظلم ومساعدة المظلومين: يدعو القرآن المؤمنين لمساعدة أولئك الذين يتعرضون للظلم ويستغيثون للتحرر منه. سورة النساء، الآية 75، توضح هذه المسؤولية بوضوح. 3. الدفاع عن حرية العقيدة ومنع الفتنة: الحرب في القرآن هي لمواجهة الفتن التي تمنع حرية التعبير عن المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية. هذا لا يعني الحرب لفرض الدين، بل لضمان حق الاختيار والتعبير عن العقيدة. القرآن لا يحدد شروط بدء الحرب فحسب، بل يضع أيضًا قواعد أخلاقية صارمة لكيفية التصرف أثناء الحرب. تعكس هذه القواعد الرحمة والعدالة الإلهية حتى في أقسى الظروف: 1. عدم الاعتداء على المدنيين: النساء، الأطفال، كبار السن، رجال الدين، والأشخاص العاجزون هم من بين من لا ينبغي استهدافهم أبدًا. 2. عدم التدمير العبثي: يحظر تدمير المزارع، الأشجار، المنازل، وأماكن العبادة إلا في الحالات التكتيكية الضرورية للغاية. 3. المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب: يؤكد القرآن على معاملة الأسرى بلطف وإنسانية، بل ويوصي بإطلاق سراحهم مقابل فدية أو مجانًا. (سورة محمد، الآية 4) 4. الميل إلى الصلح إذا مال العدو إليه: إذا أبدى الأعداء ميلاً للصلح، يجب على المؤمنين أيضًا الميل إليه والتوكل على الله. في سورة الأنفال، الآية 61، جاء: "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". تشير هذه الآية إلى أن الهدف الأسمى للحرب هو إعادة إرساء السلام والأمن، وليس استمرار العداوة والدمار. في الختام، تؤكد التعاليم القرآنية حول السلام والحرب على مبادئ مثل العدل، والرحمة، وضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان. تعتبر هذه التعاليم الحرب استثناءً وملاذًا أخيرًا للدفاع عن القيم الإلهية والإنسانية، وتدعو دائمًا إلى السلام والأخوة. هذا المنظور الشامل يقدم الإسلام كدين عدل وسلام، والذي يلتزم بالكرامة الإنسانية والمبادئ الأخلاقية في كل الظروف، حتى في ساحة المعركة، ويفتح دائمًا الطريق للعودة إلى السلام والمصالحة. الهدف الأسمى هو إقامة مجتمع عادل ومسالم تُحترم فيه حقوق جميع الأفراد، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، ويتحقق التعايش السلمي. هذه الرؤية القرآنية تعد نموذجًا لحل النزاعات في عالم اليوم أيضًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، في مدينة مليئة بالحكماء والعلماء، كان هناك قبيلتان تتنازعان منذ سنوات على الماء والأرض. كل يوم، كانت الدماء الطازجة تسفك، والمزيد من القلوب يمتلئ بالحقد. وقد ضاق شيوخ القبيلتين ذرعًا من هذه النزاعات التي لا نهاية لها، فتوجهوا إلى حكيمٍ عليم، كان معروفًا بحكمته ومعرفته التي تشبه حكمة سعدي. دعاهم الحكيم بابتسامة لطيفة وعينين مليئتين بالنور إلى الهدوء وقال: "أيها الأعزاء، أنتم كأخوين ضلا طريقهما إلى المنزل في ظلام الليل، وبدلًا من مساعدة بعضكما البعض، تشاجرتم. يعلمكم القرآن أن السلام هو نور الطريق، والحرب نار محترقة. أليس صحيحًا أنه إذا مد أحدكما يده بالسلام، فيجب على الآخر أن يصافحها؟" وتحدث عن قصص كيف أن العفو والتسامح قد دمرا حصون الكراهية وأعادا بناء الصداقات. جلست كلمات الحكيم، كالمطر على صحراء قلوبهم الجافة، فاقتربوا من بعضهم تدريجيًا. ثم عاهدوا بعضهم على السلام وقسموا الماء والأرض بالعدل. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف النزاعات فحسب، بل أصبحت مدينتهم أيضًا نموذجًا للسلام والتعايش، واشتهر اسم الحكيم العليم الذي بنور القرآن، أزال ظلام الأحقاد.

الأسئلة ذات الصلة