القرآن الكريم يعتبر الإنسان خليفة الله وأمينًا على الأرض، ويصف الطبيعة بأنها آيات ودلائل على القدرة الإلهية. هذه العلاقة مبنية على المسؤولية والحفاظ على التوازن وتجنب الفساد والشكر لله.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، لا تُعد العلاقة بين الإنسان والطبيعة مجرد صلة بسيطة، بل هي رابطة متعددة الأوجه، مقدسة، ومليئة بالمسؤولية المتبادلة. القرآن لا ينظر إلى الطبيعة كمجرد مصدر للاستغلال؛ بل يقدمها كخلق إلهي، مليء بالآيات والتجليات لقوة الله وحكمته ورحمته. هذا المنظور يضع أساسًا لعلاقة روحية وأخلاقية بين البشر والعالم الطبيعي. يوصف الإنسان في القرآن بأنه «خليفة» الله على الأرض. هذا المنصب لا يعني سيطرة مطلقة بلا حدود، بل يعني الأمانة والوصاية والمسؤولية تجاه الأرض وما عليها. لقد اختار الله الإنسان لينتفع من خيرات الطبيعة، ولكن في الوقت نفسه، يجب على الإنسان أن يحافظ على التوازن (الميزان) السائد في الكون وأن يتجنب أي نوع من الفساد أو التدمير فيه. تشمل هذه المسؤولية الإدارة العادلة للموارد، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومنع التلوث والتدهور البيئي. يحث القرآن مرارًا الإنسان على التأمل في خلق السماوات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وحركة السفن في البحر، والمطر الذي يحيي الأرض، ونمو النباتات والحيوانات. هذه الظواهر الطبيعية كلها «آيات» تدعو الإنسان إلى التفكير في عظمة الخالق ووحدانيته. الطبيعة، في جوهرها، هي كتاب ناطق، كل ورقة فيه، وكل جبل وبحر، علامة على حضور الله وقوته. هذا التأمل لا يؤدي فقط إلى زيادة الإيمان، بل يجلب فهمًا أعمق لمكانة الإنسان في الوجود وواجباته تجاه هذه النعم الإلهية. استغلال الطبيعة، من منظور القرآن، مباح بل وضروري، لأن الله خلق موارد الأرض لراحة الإنسان ورفاهيته. ولكن هذا الاستغلال يجب أن يكون في إطار الاعتدال والشكر. الإسراف والتبذير والتجاوز في الاستهلاك مذمومون بشدة. ينهى القرآن صراحة عن المفسدين في الأرض ويؤكد أن الله لا يحب المفسدين. هذا المفهوم متجذر في العدالة الإلهية ويتطلب من الإنسان أن يأخذ في الاعتبار حقوق الكائنات الأخرى والأجيال القادمة في الاستفادة من الموارد الطبيعية. إن الحفاظ على البيئة، في الإسلام، ليس مجرد قضية أخلاقية، بل هو واجب ديني مرتبط بمبادئ التوحيد والعدل والمعاد. تدمير الطبيعة، في الواقع، هو كفر بنعمة الخالق وإخلال بالنظام الإلهي. هذا المنظور الشامل يخرج الإنسان من موقع الحاكم المطلق على الطبيعة ويرفعه إلى موقع المراقب والحامي والمستفيد المسؤول. العلاقة بين الإنسان والطبيعة، من هذا المنظور، ليست علاقة أحادية الجانب من الاستغلال، بل هي تفاعل متبادل ومحترم يجب على الإنسان أن يتعلم فيه من الطبيعة، وأن يكرمها، وأن يتعايش معها بسلام. الحيوانات أيضًا في القرآن تُعتبر أممًا لها حقوق ولا يجوز إيذاؤها أو إساءة معاملتها. حتى الطيور والحشرات تسبح بحمد الله وتشكل جزءًا من النظام الكوني العام. هذا المنظور يعلم الإنسان أن كل جزء من الطبيعة له قيمة جوهرية ويجب احترامه. بالمجمل، يقدم القرآن رؤية عالمية شاملة حيث الإنسان والطبيعة ليسا في تعارض، بل في تعايش وتفاعل يكمل أحدهما الآخر. الطبيعة هي بساط لحياة الإنسان، ومصدر للتفكير والشكر، وأمانة إلهية يجب حمايتها بعناية ومسؤولية. هذه المسؤولية حيوية ليس فقط للحفاظ على البيئة اليوم، بل أيضًا لضمان بقاء وسلامة الأجيال القادمة. ولذلك، يجب على كل إنسان، بفهمه لهذه العلاقة العميقة، أن يؤدي دوره في الحفاظ على هذه النعمة الإلهية. إن احترام الطبيعة هو، في جوهره، احترام لخالقها، وهو دليل على النضج الروحي والفكري للإنسان. ومن هنا، فإن الحفاظ على التوازن البيئي ومنع التلوث والفساد جزء لا يتجزأ من الإيمان والعمل الصالح في الإسلام.
يُروى أن في الأزمنة الغابرة، حكم ملك عادل وذو سيرة حسنة أرضًا خضراء غنّاء. وكان من عادته كل صباح، قبل دخول بلاطه، أن يقضي ساعة يتجول في حديقة قصره، يتأمل الزهور والأشجار. ذات يوم، سأله خادمه: «يا أيها الملك، لديك كل هذه المهام الهامة؛ لماذا تقضي هذا الوقت الثمين كل يوم في التحديق بالزهور والخضرة؟» ابتسم الملك وقال: «يا صديقي، هذه الزهور والأشجار تعلمني أعمق الدروس. كل ورقة خضراء تذكرني بخالقها، وكل زهرة تحكي قصة جمال ونظام لا مثيل لهما. هذه الحديقة ليست مجرد مكان للتنزه، بل هي مدرسة تعلمني كيف أكون أمينًا صالحًا، وكيف أطبق العدل ليس فقط على الناس، بل على جميع المخلوقات. كيف يمكن لمن لا يعرف حق نبات أن يحفظ حق إنسان؟ الطبيعة هي مرآة للحكمة الإلهية، وكل ذرة فيها تحكي قصة الخلق. في هذا التأمل، لا أجد السلام فحسب، بل أدرك أيضًا أن كل ملك، مهما بلغت قوته، يجب أن يعتبر نفسه خادمًا لهذه الأرض ومخلوقاتها، لا مالكًا مطلقًا لها. لهذا السبب أسعى جاهدًا للحفاظ على ازدهار أرضي ولا أسمح لأحد بكسر حتى غصن واحد دون سبب. فإن إفساد الطبيعة، في الحقيقة، هو إفساد لروح المرء ونكران للجميل تجاه الرب.»