يقدم القرآن قصص فرعون وقوم لوط وعاد وثمود كعبر للبشرية، لنتجنب الغرور والظلم والفساد والجحود، ونتعلم من عواقبهم الوخيمة.
القرآن الكريم، كتاب الهداية والنور، غني بالقصص وسيرة الأمم والأفراد الذين كانت حياتهم ونهايتهم درسًا عظيمًا وعبرة خالدة للبشرية. هذه القصص ليست مجرد روايات تاريخية، بل هي آيات واضحة لأولي الألباب ليتعلموا من الماضي ويبنوا مستقبلًا أفضل لأنفسهم. يؤكد الله تعالى مرارًا وتكرارًا في القرآن صراحة أن الغرض من سرد هذه القصص هو العظة، لكي يميز الناس الحق من الباطل، ويتجنبوا طريق الضلال والغواية. وتشمل هذه العبر أممًا ومجتمعات وحتى أفرادًا معينين، الذين عانوا من العذاب والهلاك بسبب الكبر، الظلم، الفساد، الجحود أو العصيان للأوامر الإلهية. من أبرز الشخصيات وأكثرها تكرارًا التي قدمها القرآن كرمز للغطرسة والظلم والكفر، والتي كانت نهايتها عبرة عظيمة، هو "فرعون" وقومه. فرعون، ملك مصر القوي، ادعى الألوهية ونشر الفساد في الأرض واضطهد بني إسرائيل بشدة. على الرغم من رؤيته للمعجزات الواضحة للنبي موسى (عليه السلام) والدعوات الإلهية المتكررة، لم يتخل عن تمرده وظلمه. يتناول القرآن مرارًا قصة فرعون، ادعائه الألوهية، ظلمه لقومه، مقاومته للحق، ونهايته المأساوية بالغرق في نهر النيل. وقد حفظ الله جسده بأمره ليكون آية وعلامة للأجيال القادمة. تبين هذه القصة بوضوح أن قوة الدنيا وثروتها لا تضمنان النجاة أبدًا، وأن التمرد على الله لا يؤدي إلا إلى الدمار. العبرة من فرعون هي درس لجميع المتكبرين والظالمين عبر التاريخ ليعلموا أن قوتهم زائلة، وأن عاقبة الظلم هي الذل والهوان. كما أن قوم "لوط" هم مثال آخر لأمم تعرضت لعذاب الله بسبب فسادها الأخلاقي والانحرافات الجنسية الشديدة والقبيحة. هذه الأمة، على الرغم من تحذيرات ودعوات النبي لوط (عليه السلام) إلى العفة والالتزام بحدود الله، لم تتخل عن خطاياها، بل اعتدت حتى على ضيوف النبي لوط. وقد قلب الله تعالى مدنهم وأمطر عليهم حجارة من طين. هذه القصة ليست عبرة فقط للمجتمعات التي تعاني من الانحطاط الأخلاقي، بل هي تحذير للبشرية جمعاء لتتجنب الفساد والفحش وتحترم الحدود الإلهية. إن النهاية المأساوية لقوم لوط تبين أن الفوضى وترك الأخلاق سيؤديان إلى عواقب وخيمة، وقد يدمران حضارة بأكملها. هذه القصة تحمل درسًا مهمًا حول أهمية العفة والطهارة ومراعاة العدل في العلاقات الإنسانية. أمم "عاد" و"ثمود" من الأمم الأخرى التي ورد ذكرها في القرآن كعبرة ودرس. قوم عاد، بامتلاكهم قوة بدنية خارقة وقدرات هائلة في البناء (مثل الأعمدة الشاهقة والقوية في إرم ذات العماد)، أصابهم الغرور والكبر وكذبوا نبيهم، هود (عليه السلام). فأهلكهم الله بريح عاتية وباردة استمرت سبع ليال وثمانية أيام. أما قوم ثمود، الذين كانوا لا يضاهون في نحت الصخور وبناء البيوت القوية في قلب الجبال، فقد أنكروا نبيهم، صالحًا (عليه السلام)، وقتلوا ناقة صالح التي كانت معجزة واضحة. وقد أبيدوا أيضًا بصيحة من السماء وزلزال مدمر. قصص هاتين الأمتين عبرة لمن يغتر بقوته المادية أو ثروته أو قدراته وينسى الله وأنبيائه. هذه القصص تبين أنه لا قوة تدوم إلا قوة الله، وأن عاقبة الكبر والكفر والظلم هي الهلاك. بالإضافة إلى هذه الأمم، يتناول القرآن الكريم أيضًا قصة "قارون"، الذي يعد مثالًا لعاقبة جمع الثروة دون شكر والطغيان. أصاب قارون الغرور بسبب ثروته الطائلة، وتكبر على النبي موسى (عليه السلام)، وفي النهاية ابتلعته الأرض بكل كنوزه. تذكرنا هذه القصة أن المال والثروة، إذا لم يستخدم في سبيل الحق وبالشكر، يمكن أن يكون سببًا للهلاك. وكذلك، فإن مصير "أصحاب الفيل" الذين جاءوا لتدمير الكعبة، وقد أبيدوا بأساريب الطير الأبابيل، هو مثال على القدرة الإلهية في الدفاع عن بيته وإهلاك الظالمين. في الختام، يجب القول إن جميع هذه القصص، ليست فقط للماضي، بل هي رسائل للحاضر والمستقبل. إنها تعلمنا أن نتجنب التمرد على الله، والظلم، والفساد، والجحود، وأن نتذكر دائمًا أن القوة والنهاية الحقيقية بيد الله وحده. هذه العبر هي منارات مضيئة على طريق البشرية لتهتدي إلى الصراط المستقيم في ظلمات الجهل والغفلة وتنال الفلاح.
يروى في كتاب گلستان سعدي أن ملكًا عادلًا سُئل: «من بين جميع البلدان والأمم، أيها تحب أكثر؟» فأجاب الملك: «تلك الأمة التي تتعلم الدروس من تاريخ أسلافها، وتنظر إلى عاقبة المتمردين والظالمين، وتتجنب الذنوب والكبر.» تعجب المستشارون وسألوا: «ألا تقرأ جميع الأمم التاريخ؟» ابتسم الملك وقال: «قراءة التاريخ تختلف عن أخذ العبرة منه. كثيرون يقرأون قصة فرعون ويلعنونه، لكنهم هم أنفسهم، بقليل من السلطة والثروة، يسلكون طريق فرعون. أو يتحدثون عن مصير قوم لوط، لكنهم هم أنفسهم يميلون إلى الانحراف والفساد. الأمة الوحيدة التي تنجو هي التي لا تعرف القصص فحسب، بل تحولها إلى مرايا للعبر، وتضيء طريقها بنور هذه المرايا حتى لا تضل.» هذه الحكاية من سعدي، مثل تعاليم القرآن، تؤكد على أهمية النظر بعمق إلى الماضي واستخلاص دروس الحياة منه، وليس مجرد السرد.