لماذا يكون بعض غير المتدينين أكثر لطفًا أحيانًا؟

اللطف والأخلاق الحميدة تنبع من الفطرة الإنسانية والرحمة الإلهية، وليست حكرًا على المتدينين. يؤكد القرآن على الأعمال الصالحة والنوايا الخالصة، لذا يمكن للأشخاص الذين لا يُظهرون تدينًا خارجيًا أن يكونوا لطفاء جدًا.

إجابة القرآن

لماذا يكون بعض غير المتدينين أكثر لطفًا أحيانًا؟

من منظور القرآن الكريم، تُعدّ مسألة اللطف والإحسان موضوعًا شاملًا وعالميًا لا يقتصر على المعتقدات الدينية للأفراد. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على فضائل الأخلاق الحميدة، العدل، والرحمة، ويقدمها كقيم أساسية ليس فقط للمؤمنين، بل للبشرية جمعاء. هذا يعني أن مصدر اللطف ليس الإيمان بالله فحسب؛ بل يعود إلى الفطرة الإنسانية النقية، والتعاليم الإلهية التي وصلت إلى الجميع، وحتى القيم الاجتماعية والإنسانية المشتركة. يمكن تفسير ملاحظة اللطف في الأفراد الذين قد لا يلتزمون ظاهريًا بدين معين من جوانب مختلفة تتوافق أيضًا مع المبادئ القرآنية. أولاً، يؤكد القرآن على أن الله هو «الرحمن» و«الرحيم»، أي أنه المنعم والمتعاطف مع جميع خلقه، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين. هذه الرحمة الإلهية الواسعة تنعكس أيضًا في طبيعة البشر. لقد خلق الله الإنسان بـ «فطرة» تميل بطبيعتها إلى الخير والعدل والصلاح. حتى لو سلك فرد طريقًا مختلفًا من الناحية الاعتقادية، فإن هذه الفطرة الإلهية يمكن أن تدفعه نحو الأفعال الطيبة واللطيفة. هذا ما نلاحظه في يقظة الضمير، والتعاطف مع الآخرين، والرغبة في مساعدة المحتاجين. هذه الفضائل الأخلاقية، حتى لو لم تكن مصحوبة بنية السعي لرضا الله، لا تزال قادرة على المساهمة في تحسين العلاقات الإنسانية وصحة المجتمع. ففي سورة النحل، الآية 90، يقول تعالى بوضوح: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون). هذه الآية هي أمر عام للبشرية جمعاء، تتحدث صراحة عن العدل والإحسان، بغض النظر عن المعتقدات الدينية. ثانياً، يعتبر القرآن المعيار النهائي للحكم الإلهي ليس مجرد ادعاء الإيمان، بل الأعمال الصالحة والنوايا القلبية. في سورة الزلزلة، الآيتان 7 و 8، نقرأ: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره). تُشير هذه الآيات إلى أن أصغر عمل صالح يُحسب عند الله وسيكافأ عليه، بغض النظر عما إذا كان فاعله يبدو متدينًا أم لا. وهذا يعني أن الله يهتم بعمق النية وتأثير الأفعال، وليس مجرد المسميات الخارجية. ففي بعض الأحيان، قد ينحرف الفرد الذي يصف نفسه بأنه متدين، بسبب الرياء أو الغرور أو سوء استخدام اسم الدين، عن الأخلاق واللطف في الممارسة العملية. في المقابل، قد يقوم فرد يعتبر نفسه غير متدين، بدافع فطرته النقية وإنسانيته، بأعمال خيرية ولطيفة. يُدين القرآن بشدة الرياء والتباهي في الدين، كما هو الحال في سورة الماعون، حيث يلوم المصلين الذين يتهاونون في صلاتهم ويمتنعون عن مساعدة المحتاجين. وهذا يُظهر أن الإسلام لا يكتفي بالمظاهر والعبادات الجافة، بل يركز على العمل الصالح والنوايا الخالصة. ثالثًا، مفهوم «الابتلاء الإلهي» له أهمية أيضًا في هذا السياق. فالدنيا هي ساحة اختبار إلهي لجميع البشر. هذا الاختبار ليس فقط لقياس مدى الإيمان، بل أيضًا لتقييم الأفعال والأخلاق. يُعد اللطف والإيثار والرحمة من مؤشرات هذا الاختبار. يريد الله أن يرى إلى أي مدى يستفيد البشر من هذه الفطرة الإلهية ويحسنون للآخرين. لذا، فإن ظهور اللطف والخير في الأفراد بغض النظر عن تدينهم الظاهري، لا يتعارض مع التعاليم القرآنية فحسب، بل يؤكد مبدأ الفطرة والرحمة الإلهية الواسعة. يدعو القرآن المؤمنين إلى الاقتداء بأفضل الأخلاق ويطلب منهم ألا يكونوا لطفاء فحسب، بل أن يكونوا دعاة للطف والعدل في المجتمع. كما أن ملاحظة اللطف في الآخرين يمكن أن تكون درسًا لمن يدعون التدين ليظهروا في أفعالهم الجوهر الحقيقي للإيمان. في النهاية، يجب الإشارة أيضًا إلى أن دين الإسلام نفسه هو دعوة شاملة إلى اللطف، والتعاطف، والتعايش السلمي، واحترام كرامة الإنسان، والمؤمن الحقيقي هو من يُجسد هذه القيم في حياته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في بوستان سعدي، يُروى أن ملكًا قويًا كان يرى نفسه شديد التدين والبر، وكثيرًا ما كان يتحدث عن أعماله الصالحة. لكن سرًا، كان الناس يعانون من قسوته وعدم لطفه. في أحد الأيام، كان الملك يتجول في المدينة متنكرًا. وصل إلى بستان فرأى بستانيًا عجوزًا، على الرغم من دخله الضئيل، يشارك قطعة خبزه مع كلب ضال جائع ويقدم إبريق الماء الخاص به لعابر سبيل عطشان، دون أن يتوقع أي مكافأة. عند رؤية هذا اللطف النقي وغير الأناني، استوعب الملك الأمر. أدرك أن التدين الحقيقي لا يكمن في المظاهر الخارجية والطقوس فحسب، بل في نقاء القلب واللطف الصادق الذي يمتد إلى جميع الكائنات. عاد إلى قصره، وقد تعلم درسًا عظيمًا من ذلك البستاني المتواضع، ومنذ ذلك الحين، سعى لتجسيد اللطف الحقيقي في أفعاله.

الأسئلة ذات الصلة