الشعور بالاستياء من نجاح الآخرين ينبع غالبًا من الحسد وقلة القناعة. القرآن يحثنا على الشكر والتوكل على الله والتركيز على مسارنا الخاص لتحقيق السكينة والتخلص من هذا الشعور.
إن الشعور بالاستياء أو الحزن تجاه نجاح الآخرين هو شعور إنساني شائع يمر به الكثير منا في مراحل مختلفة من حياتنا. يمكن أن ينبع هذا الشعور من مصادر متعددة، تتراوح بين مقارنة الذات بالآخرين ونقص القناعة بما أنعم الله به علينا. في المنظور القرآني والإسلامي، غالبًا ما يتقارب هذا الشعور مع أحد أمراض القلوب وهو "الحسد"، أو على الأقل "المنافسة السلبية"، مما يستدعي الانتباه والعلاج. يقدم القرآن الكريم والسنة النبوية حلولًا عميقة وفعالة لإدارة هذه المشاعر والقضاء عليها، مما يمكّن الإنسان من تحقيق السلام الداخلي والرضا الحقيقي. أحد الجذور الرئيسية لهذا الشعور بالاستياء هو "الحسد". الحسد يعني تمني زوال النعمة والنجاح عن الآخرين وانتقالها إلى النفس. يختلف هذا المفهوم عن "الغبطة"، التي تعني تمني الحصول على نعمة يمتلكها الآخر دون تمني زوالها عنه. في الإسلام، الحسد مذموم بشدة ويعتبر آفة مدمرة للقلب والإيمان. يعلمنا القرآن الكريم في سورة الفلق، الآية 5، أن نلجأ إلى الله من شر الحاسد إذا حسد: "وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ". هذه الآية تشير إلى أن الحسد ليس ضارًا بالشخص الحاسد فحسب، بل يمكن أن ينشر شره إلى الآخرين. كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". هذا التشبيه يوضح كيف يمكن للحسد أن يقضي على أعمال الإنسان الصالحة ويبعده عن سبيل التقرب إلى الله. سبب آخر لهذا الاستياء هو عدم الفهم الصحيح لمفهوم "الرزق" و"القدر الإلهي". يعرف الله تعالى نفسه بأنه "الرزاق"، وهو الذي يحدد ويوزع رزق كل عبد بحكمته البالغة. في سورة الزخرف، الآية 32، يقول سبحانه وتعالى: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". هذه الآية توضح بجلاء أن الفروقات في مستويات المعيشة والنجاح هي جزء من الحكمة الإلهية، والهدف منها هو إيجاد التفاعل والخدمة المتبادلة في المجتمع. فهم هذه الحقيقة، بأن كل ما يصل إلينا أو يُعطى للآخرين هو بناءً على علم وحكمة الله اللامتناهية، يمكن أن يحرر العقل من المقارنات غير المجدية والحسدية. العلاج الأساسي لمواجهة هذا الشعور هو "القناعة" و"الشكر". القناعة تعني الرضا القلبي بما قسمه الله للإنسان، وعدم الطمع فيما وراء ذلك. القناعة كنز لا يفنى، يحرر الإنسان من أسر الحاجات المادية ويجلب له السلام الحقيقي. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه". بجانب القناعة، يلعب الشكر دورًا حيويًا. عندما يكون الإنسان شاكرًا على نعمه الموجودة، يتحول تركيز عقله من النقص أو ما يمتلكه الآخرون، نحو وفرة حياته الخاصة. يقول الله تعالى في القرآن: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم: 7). الشكر لا يزيد النعم فحسب، بل يمنح الإنسان قلبًا هادئًا وروحًا منعشة. علاوة على ذلك، يجب ألا ننسى أن الحياة الدنيا فانية وزائلة. فالنجاحات الدنيوية، وإن بدت براقة في حينها، إلا أنها ضئيلة في المقياس الأبدي والأخروي. يؤكد القرآن الكريم مرارًا على هذه الحقيقة بأن الحياة الدنيا "لعب ولهو"، وأن القيمة الحقيقية تكمن في كسب رضوان الله والادخار للآخرة. في سورة الحديد، الآية 20، يقول تعالى: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۚ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ". يساعد هذا المنظور على تعديل تقديرنا لنجاحات الآخرين الدنيوية، ويحررنا من المقارنات السلبية. بدلاً من الحسد، يعلمنا الإسلام أن "فاستبقوا الخيرات" (تنافسوا في الأعمال الصالحة). هذه المنافسة الصحية والبناءة لا تعود بالنفع على الفرد فحسب، بل تساهم في تقدم المجتمع بأكمله. المؤمنون إخوة وأخوات، ويجب أن يفرحوا بنجاح بعضهم البعض ويتمنوا الخير لبعضهم. هذه علامة على صحة الإيمان وروح الإيثار. عندما نتمنى الخير للآخرين، تعود الطاقة الإيجابية إلينا أيضًا. كما أنه من الضروري تحويل تركيزنا من مقارنة أنفسنا بالآخرين إلى "مسار نمونا الشخصي". فلكل فرد رسالته ومساره الفريد في الحياة. فما يناسب الآخر ليس بالضرورة مناسبًا لنا، والعكس صحيح. يجب أن نسعى بجد لتحقيق أهدافنا الشخصية والإلهية ونسأل الله من فضله: "وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ" (النساء: 32). أخيرًا، تقوية الإيمان والتوكل على الله هو المفتاح الرئيسي للتخلص من هذه المشاعر السلبية. عندما يؤمن الإنسان بقلبه أن كل الأمور بيد الله، وأنه يدبر أفضل الأقدار لعباده، فإنه يحصل على طمأنينة عميقة. التوكل الحقيقي لا يعني التخلي عن الجهد، بل يعني بذل أقصى جهد وتفويض النتيجة للإرادة الإلهية الحكيمة. هذا التوكل يزيل القلق والحسد، ويحل محلهما الرضا والأمل. لذا، لإدارة هذه المشاعر، يجب أن نركز على تهذيب النفس، والشكر، والقناعة، والتوكل، والتنافس في الخيرات، لكي نتمكن من أخذ الدروس من نجاحات الآخرين كدافع لتقدمنا، ونعمل على تعزيز الفرح والتعاطف في المجتمع. هذا المسار هو طريق نحو السلام المستدام ورضوان الله. (900 كلمة)
ذات يوم، مر درويش بسيط القلب بجانب ملك كان في أوج مجده ويتفاخر باتساع ملكه. سأل الملك بفخر: "أيها الدرويش، ما الذي تملكه ولا أملكه أنا؟" فأجاب الدرويش بابتسامة هادئة: "أملك سلامًا فقدته أنت في سعيك لتوسيع مملكتك. أنا قانع بما أعطاني الله، وكل ليلة أضع رأسي على وسادتي بقلب مطمئن، بينما تقضي أنت كل ليلة قلقًا وتفكر في زوال مملكتك." تذكرنا هذه الحكاية من گلستان سعدي بأن النجاح والسعادة الحقيقيين يكمنان في السلام الداخلي والقناعة بالرزق الإلهي، لا في الممتلكات المادية أو مقارنة أنفسنا بالآخرين. لذا، بدلًا من الحسرة على ما يمتلكه الآخرون، دعونا نشكر على نعمنا ونستمتع بطمأنينة قلوبنا.