لماذا ينزعج الإنسان من نجاح الآخرين؟

من منظور قرآني، ينبع الانزعاج من نجاح الآخرين غالبًا من الحسد، وعدم قبول الحكمة الإلهية في تقسيم النعم، والتعلق المفرط بالدنيا. يستلزم ذلك تصحيح النظرة واللجوء إلى الله.

إجابة القرآن

لماذا ينزعج الإنسان من نجاح الآخرين؟

من منظور القرآن الكريم، ينبع الشعور بالضيق أو الاستياء من نجاح الآخرين من أمراض قلبية وروحية أشار إليها القرآن. وأبرز هذه الجذور وأكثرها وضوحًا هي ظاهرة «الحسد». الحسد يعني تمني زوال النعمة من الآخرين وحلولها في النفس، أو مجرد الاستياء من نعم الآخرين حتى لو لم يتمنَّ المرء زوالها. القرآن يصف هذه الصفة بأنها شر عظيم يجب الاستعاذة بالله منه. ففي سورة الفلق، الآية 5، يأمر الله النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) ومن ثم جميع المؤمنين بأن يقولوا: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ». هذه الآية تظهر بوضوح أن الحسد قوة مدمرة يمكن أن تلحق الضرر بالإنسان، سواء الحاسد أو المحسود. وهذا الأمر بالاستعاذة من شر الحاسد، يدل على شدة وتوسع الآثار السلبية للحسد. أحد الأسباب الرئيسية لظهور الحسد من وجهة نظر القرآن هو عدم قبول الحكمة الإلهية في تقسيم الأرزاق والفضائل. فالله تعالى بحكمته وعلمه اللانهائي، يوزع الأرزاق والمواهب والفرص والنجاحات بين عباده. وكما جاء في سورة النساء، الآية 54: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا». هذه الآية تشير بوضوح إلى أن الحسد غالبًا ما ينشأ بسبب عدم إدراك حقيقة أن ما يصل إلى الآخرين هو من فضل الله وعطائه. فبدلاً من أن يتوكل الإنسان الحاسد على الله ويسعى للاستفادة من الفضل الإلهي بنفسه، فإنه يستاء من التوزيع الإلهي ويشكك في عدل الله، وهذا بحد ذاته من أكبر الزلات. هذه النظرة تؤدي إلى اضطراب روحي وعدم راحة داخلية. علاوة على ذلك، حذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا البشر من التعلق المفرط بالدنيا والتنافس على الماديات. ففي سورة الحديد، الآية 20، يقول تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». تشرح هذه الآية ببراعة أن أحد الأسباب الرئيسية للانزعاج من نجاح الآخرين هو التركيز على الجوانب الزائلة لهذه الحياة مثل الثروة والأولاد والمكانة الاجتماعية. عندما يرى الإنسان قيمته في المقارنة مع الآخرين في هذه الأمور الدنيوية، ويصبح هدفه الأساسي التنافس من أجل التفاخر والتكاثر، فمن الطبيعي أن يؤدي نجاح الآخرين إلى انزعاجه وحسرته بدلاً من أن يكون مصدر إلهام له. هذا المنظور يبعد الإنسان عن الهدف الرئيسي من خلقه، وهو عبادة الله والسعي لرضاه، وبدلاً من السوجه نحو الكمال، يغرقه في مستنقع المقارنات والحسد. في المقابل، يدعو القرآن المؤمنين إلى الشكر على نعم الله، سواء لأنفسهم أو للآخرين، وكذلك إلى القناعة والرضا بالقضاء الإلهي. فالمؤمن يعلم أن كل نعمة من عند الله، وأن الحسد لا ينفع بل يضر بالروح والنفس ويضعف علاقته بربه. وقد أكد النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) في أحاديث عديدة على الابتعاد عن الحسد، ووصفه بالصفة المدمرة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وللتخلص من هذه الحالة، يقدم القرآن حلولًا مثل اللجوء إلى الله، والتركيز على الذكر وذكر الله، وتصحيح النظرة إلى الدنيا والآخرة. وبدلاً من الحسد، يجب على المؤمن أن يسارع إلى فعل الخيرات والتنافس فيها، كما يقول القرآن: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ». هذا التنافس البناء، بدلاً من التدمير، يساعد على نمو وتطور الفرد والمجتمع. لذلك، فإن تجذير هذا الانزعاج في نظرة القرآن يعود إلى نقص الإيمان، وعدم قبول الحكمة الإلهية، والتعلقات الدنيوية، والتي يمكن علاجها بتزكية النفس والشكر والمنظور الإلهي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

سمعت عن رجل كان حزينًا وكئيبًا لأن جاره كان يتمتع بنعم وفيرة وهو يملك القليل. رآه شيخ حكيم وقال له بلطف: «يا شاب، أنت تهرب من حالك وتنظر بعين الحسد إلى نعم الآخرين. ألم تسمع حكاية ذلك الدرويش الذي كان يسير حافي القدمين ذات يوم، وكان حزينًا لعدم امتلاكه حذاء؟ وفي هذه الأثناء، صادف رجلاً في الطريق لم تكن لديه قدمان على الإطلاق. حينها، رفع الدرويش رأسه إلى السماء على الفور وقال: 'يا الله، لك الحمد أن لي قدمين، حتى لو لم أكن أملك حذاء!' وتحرر قلبه من الحزن والحسد، ونال السكينة.» استعاد الشاب وعيه بفضل هذه النصيحة الحكيمة، وتاب من الحسد والحزن الذي كان يثقل قلبه، وأشرق روحه بنور الشكر والقناعة.

الأسئلة ذات الصلة