ينبع هذا الشعور الزائف بالقوة من الكبرياء، خداع الشيطان، والتركيز على الدنيا. يظن المذنبون أن المهلة الإلهية دليل على قوتهم، بينما القوة الحقيقية لله وحده، والمعصية لا تجلب إلا الهلاك.
الإحساس بالقوة الزائفة من خلال ارتكاب الذنوب هو ظاهرة نفسية وروحية عميقة الجذور في الطبيعة البشرية والتأثيرات الخارجية. من منظور القرآن الكريم، هذا الإحساس ليس حقيقيًا فحسب، بل هو وهم خطير يقود الفرد إلى الهلاك والضياع. لفهم هذه المسألة المعقدة حقًا، يجب أن ننظر في عدة جوانب رئيسية: الكبرياء والغرور، خداع الشيطان، قصر النظر والتركيز الحصري على المكاسب الدنيوية، وسنة الله في "الاستدراج". في المقام الأول، أحد الأسباب الرئيسية لهذا الشعور الخادع بالقوة هو "الكبر" و"الغرور". يشير القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا إلى مصير المتكبرين والطغاة. يُعد فرعون، الذي ادعى أنه "ربكم الأعلى" ونشر الفساد في الأرض، مثالًا بارزًا. من خلال استغلال قوته وثروته لقمع بني إسرائيل، نمّى شعورًا لا حدود له بالسيطرة والقوة. لكن هذه القوة الظاهرية لم تُسفر إلا عن غرق مذل وعذاب أبدي. من منظور القرآن، المتكبر هو من يرى نفسه مستغنيًا عن طاعة الله، ويدوس على القوانين الإلهية. هذا العصيان والتمرد، بالنسبة للفرد المتكبر، يجلب نوعًا من الانتصار الزائف على القيود، وإحساسًا كاذبًا بالحرية المطلقة والسيطرة. عندما يرتكب الفرد ذنبًا ويرى أنه لا يُعاقب فورًا، أو حتى يستفيد ماديًا من خلال هذا الذنب، فإن هذا يمكن أن يعزز غروره. قد يقوده ذلك إلى الاعتقاد بأنه يمتلك قوة خاصة تسمح له بالتهرب من العقاب أو السيطرة على الآخرين. هذه هي بالضبط الفخ الذي نصبه الشيطان، والذي سنتوسع فيه لاحقًا. ثانيًا، عامل مساهم رئيسي هو "خداع الشيطان" (وسواس الشيطان). إن الشيطان، العدو الواضح للبشرية، يسعى باستمرار لجعل الذنب يبدو جميلًا وجذابًا في أعين البشر. من خلال وسوسته ومكائده، يخفي العواقب القبيحة للذنب ويبرز فوائده العابرة ومتعته الفورية. يذكر القرآن صراحة كيف "يُزَيِّنُ" الشيطان الأعمال السيئة للناس (على سبيل المثال، سورة الأنعام، الآية 43؛ سورة النحل، الآية 63). عندما يُزَيَّن الذنب بهذه الطريقة، قد يرى المذنب أنه بارتكابه، قد تصرف بذكاء أو حقق شيئًا لا يمكن للآخرين الوصول إليه. هذا الشعور بـ"التفوق" أو "الذكاء"، الذي هو في الواقع مجرد وهم، يغذي شعوره الزائف بالقوة. على سبيل المثال، قد يرى الشخص الذي يكتسب الثروة من خلال الخداع أو الفساد نفسه أذكى أو أكثر دهاءً من الآخرين، وهذا "النجاح" السطحي قد يشجعه أكثر على طريق الخطيئة. هذا على الرغم من حقيقة أن كل ما يدعو إليه الشيطان يؤدي في النهاية إلى الضعف والندم والإذلال. ثالثًا، "قصر النظر والتركيز الحصري على الحياة الدنيا" يلعب دورًا حاسمًا. بعض الأفراد، بسبب ضعف الإيمان أو الفهم السطحي للوجود، يركزون كل اهتمامهم على الإنجازات الدنيوية والمتع الزائلة. وبالتالي، عندما تؤدي خطيئة مثل السرقة أو الربا أو الرشوة أو الظلم إلى اكتساب الثروة أو المكانة الاجتماعية أو مركز مزيف للسلطة، قد يفسر الفرد هذا على أنه علامة على "قوته". إنهم يتجاهلون العواقب الروحية والأخلاقية وحتى الدنيوية طويلة الأجل لخطاياهم، ويركزون فقط على الفوائد الفورية العابرة. تُعد قصة قارون في القرآن (سورة القصص، الآيات 76-82) مثالًا قويًا على هذه العقلية. قارون، الذي كان يشعر بالقوة والاكتفاء الذاتي بسبب كنوزه الهائلة، وتعامَل مع الناس بكبرياء وغرور، ابتلعته الأرض في النهاية مع ثروته وبيته. هذا المصير يوضح بما لا يدع مجالًا للشك أن القوة الدنيوية المبنية على الذنب والطغيان هي مثل بيت مبني على الرمل، مصيره الانهيار بأدنى هزة. إن الطبيعة العابرة لمثل هذه القوة هي موضوع متكرر في القرآن، مقارنة إياها بالقوة الدائمة لله والجزاء الأبدي للصلاح. وأخيرًا، مبدأ "الاستدراج" الإلهي، أو المهلة التدريجية للمذنبين، هو عنصر حاسم. الله تعالى أحيانًا يمنح الظالمين والمذنبين مهلة، ولا يعاقبهم فورًا. هذا التأخير، الذي يبدو لهم شكلًا من أشكال القوة أو الحصانة من العقاب، هو في الواقع وسيلة لتمكينهم من زيادة ذنوبهم، وبالتالي تكثيف عذابهم في المستقبل. يذكر القرآن صراحة: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة آل عمران، الآية 178). هذه الآية تشرح بجمال أن الشعور بالقوة الناتج عن عدم العقاب الفوري هو خداع آخر. قد يفترض المذنب خطأً أن الله يحبهم أو أنه راضٍ عن أفعالهم، في حين أن هذه المهلة توفر لهم الفرصة للغوص أعمق في مستنقع الذنب والتمرد. هذا الوهم بالقوة يدفع الفرد نحو سقوط أعمق وعقاب أشد، خاتمًا على هلاكه الروحي. في الختام، يؤكد القرآن الكريم بشكل لا لبس فيه أن القوة الحقيقية لله وحده. أي قوة تُستخدم في عصيانه هي بالضرورة هشة وزائلة. تكمن القوة الحقيقية في الخضوع لله، وكسب رضاه، وعيش حياة مليئة بالإيمان والتقوى. تمنح هذه القوة البشرية سلامًا داخليًا، وقيمة ذاتية حقيقية، وسعادة أبدية. على النقيض من ذلك، فإن القوة الزائفة المستمدة من الذنب لا تجلب سوى العار والندم في الدنيا والآخرة. إن الفهم العميق للتمييز بين القوة الحقيقية والقوة الوهمية يمكن أن ينقذ الأفراد من مصائد الذنب وأوهامه، ويوجههم نحو حياة ذات معنى وهدف ومليئة بالسكينة، متجذرة في الحقيقة الإلهية. يساعد هذا الوضوح على إدراك أن النشوة المؤقتة للذنب هي سراب، لا تؤدي إلا إلى الجفاف الروحي والانهيار النهائي.
كان في شيراز تاجر ثري قاده ثراؤه الهائل إلى الغرور والعصيان. كان يكدس المزيد من الثروات عن طريق الذنوب والظلم، وكلما أفلت من العقاب على فعل خاطئ، شعر وكأنه اكتسب قوة لا مثيل لها. كان يظلم عماله، ويغش في معاملاته، ولا يلتفت لنصائح الصالحين. ذات يوم في السوق، رآه رجل حكيم مسن يمشي بتكبر ويتباهى بثروته. فقال له الشيخ بابتسامة لطيفة: "يا ولدي، يبدو أنك تبني بيتك على الماء، وتظن أن أساسه متين لأن الأمواج هادئة. ألم تر أن الماء الهادئ يمكنه أيضًا أن يؤكل الأرض من تحت الأساسات؟ هذا الشعور بالقوة الذي تستمدّه من الذنب هو كقصر مبني على الرمال؛ له مظهر جميل، ولكن بأدنى عاصفة، سينهار. القوة الحقيقية تكمن في قهر القلوب باللطف والسير على طريق الحق، لا في أن تعتبر نفسك متفوقًا بالظلم والكبر. تذكر أن ممتلكات الدنيا كظل يتغير باستمرار ولا يدوم، أما سلام القلب الذي يُكتسب من الأفعال الصالحة والرضا الإلهي فهو أبدي." في البداية، استشاط التاجر غضبًا من هذه الكلمات، ولكن مع مرور الوقت ورؤية تقلبات الدهر، أدرك حقيقة أقوال الشيخ وفهم أن شعوره بالقوة كان مجرد وهم.