لماذا يتعب بعض الناس من الإحسان؟

قد يتعب الناس من الإحسان بسبب طبيعتهم العجولة، نقص الإخلاص في النية، مواجهة الجحود من الآخرين، وضعف الإيمان أو قسوة القلب. ويكمن العلاج في التوكل على الله، والصبر، والإخلاص.

إجابة القرآن

لماذا يتعب بعض الناس من الإحسان؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية، تُعد اللطف والإحسان والخير للآخرين من أسمى الفضائل الأخلاقية، ويُحث المؤمنون باستمرار على الثبات في هذا الطريق. ومع ذلك، فإن السؤال عن سبب تعب بعض الناس من الإحسان يشير في الواقع إلى جذور أعمق في الطبيعة البشرية والتحديات الداخلية والخارجية التي نواجهها في طريق الخير. فالقرآن، وإن لم يتناول مباشرة عبارة «التعب من الإحسان»، إلا أنه من خلال وصف خصائص الإنسان الفطرية، وأهمية الإخلاص، ونتائج الأعمال، يقدم أسبابًا لانخفاض الدافع لأداء الأعمال الصالحة، بما في ذلك الإحسان، والتي يمكن أن تؤدي إلى هذا الشعور بالتعب. أحد أهم الأسباب يعود إلى طبيعة الإنسان العجولة وغير الصبورة. يشير القرآن في آيات عديدة إلى هذه السمة البشرية. على سبيل المثال، في سورة المعارج، الآيات 19-21، نقرأ: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾، أي: «إن الإنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعاً». هذه الآيات تبين أن الإنسان قد يصبح جزوعاً عند مواجهة الصعوبات، وقد تتملكه صفة البخل والأنانية عند حصول الخير. عندما يقوم شخص بالإحسان إلى آخر ويُقابل ذلك باللامبالاة أو الجحود أو حتى سوء المعاملة، فإن هذه الردود قد تستنزف صبره. فالإنسان بطبيعته يتوقع أن يُقدر إحسانه ويُعترف به. فإذا لم يتحقق هذا التوقع، أو الأسوأ من ذلك، إذا تم استغلال إحسانه، فقد يفقد دافعه للاستمرار في الإحسان ويشعر بالتعب واليأس. هذا التعب لا ينبع من فعل الإحسان نفسه، بل من عدم وجود رد فعل متوقع أو مواجهة ردود فعل سلبية. سبب آخر هو عدم الإخلاص والنوايا الصافية في أداء الأعمال الصالحة. يؤكد القرآن الكريم دائمًا على أهمية النية الخالصة في جميع الأعمال. في سورة البينة، الآية 5، يقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، أي: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة». إذا كان شخص ما يقوم بالإحسان على أمل أن يُمدح من الآخرين، أو ليصبح محبوبًا، أو لتحقيق مكاسب دنيوية، فإن هذا الإحسان لا يقوم على أساس متين. فبعد عدم تحقيق هذه التوقعات الدنيوية، يتضاءل دافعه ويشعر بالتعب والعبثية. الإحسان الحقيقي والمستدام هو الذي يتم لوجه الله تعالى، وليس لجذب انتباه الخلق. من يصل إلى هذه الدرجة من الإخلاص لا ييأس من جحود الآخرين، لأنه لا يتوقع مكافأته من البشر، بل من الله تعالى. كذلك، فإن مواجهة جحود الآخرين يمكن أن يكون عاملاً مهمًا في إحداث شعور بالتعب. يشير القرآن صراحة إلى سمة الجحود في بعض البشر. في سورة العاديات، الآية 6، يقول: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾، أي: «إن الإنسان لربه لكنود». إذا كان الإنسان في بعض الأحيان جاحدًا حتى في مقابل نعم ربه الكثيرة، فكيف يمكن توقع منه أن يكون دائمًا شاكرًا لإحسان عباده؟ هذا الفهم ينبغي أن يمنح المؤمن القوة لأداء إحسانه فقط ابتغاء مرضاة الله. عندما يقوم الفرد بالإحسان ولا يرى استجابة سوى الجحود أو حتى السخرية، قد يتولد لديه اعتقاد بأن الأعمال الصالحة لا فائدة منها. لكن المؤمن الحقيقي يعلم أن أعماله الصالحة، حتى لو لم تثمر في الدنيا، فهي محفوظة عند الله ولها أجر عظيم. هذه الرؤية القرآنية تشكل حصنًا منيعًا ضد اليأس والتعب الناجم عن جحود الآخرين. كما أن ضعف الإيمان وقسوة القلب من العوامل الأخرى التي يمكن أن تمنع استمرار الإحسان. عندما يضعف إيمان الإنسان، تتلاشى الدوافع الروحية وينجذب أكثر نحو المصالح الدنيوية الزائلة. يقول القرآن: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة: 74)، أي: «ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة». فالقلوب القاسية أقل قدرة على فهم معاناة الآخرين وأقل ميلاً إلى الإحسان. استمرار الذنوب والبعد عن ذكر الله والإهمال لآياته يمكن أن يقسي القلب تدريجياً ويبعده عن ينابيع الرحمة والإحسان. في الختام، يرى القرآن الكريم أن العلاج ومضاد هذا التعب يكمن في التوكل على الله، والصبر والثبات، وتجديد النية لتحقيق رضا الله. فالشخص الذي يكون إحسانه متجذرًا في الإيمان بالله وطلب الأجر منه، لن يتعب أبدًا من الإحسان، حتى لو أظهر العالم كله الجحود تجاهه. لأنه يعلم أن ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69)، أي: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين». هذه الآية والعديد من الآيات الأخرى تبين أن الله هو السند والمرشد للذين يثبتون على طريق الإحسان والبر. وبالتالي، فإن التعب من الإحسان ينبع من ضعف الاتصال بالمصدر الذي لا ينضب من القوة والرحمة الإلهية، ومن خلال تقوية هذا الاتصال، يمكن التغلب على هذا التعب وتقديم يد العون للآخرين دائمًا بقلب مليء بالحب والأمل.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، كان يعيش رجل ثري وكريم يدعى «السيد السخي» في مدينة تشتهر بكرمه اللامحدود وإحسانه. كان يساعد كل محتاج دون مقابل، لكنه كان يرى أحيانًا أن بعض الذين ساعدهم لم يكونوا شاكرين فحسب، بل كانوا يتحدثون عنه بالسوء من وراء ظهره. ابنه الشاب، الذي شهد هذه الأحداث، سأل والده بتعجب: «أبي العزيز، أنت تفعل كل هذا الخير، ومع ذلك لا يزال بعض الناس لا يقدرون ذلك، بل يظهرون الجحود. كيف لا تتعب أبدًا ولا تتوقف عن الإحسان؟» ابتسم السيد السخي بحرارة وقال لابنه: «يا ولدي العزيز، أنا أزرع بذور الإحسان لرضا الله، لا لمدح الناس. لو كنت أزرع لمدح البشر، لكان قلبي مثل أرض جرداء، خالية من مطر الرحمة والسخاء. ولكن بما أنني أزرع لرضا ربي، فإن قلبي دائمًا مليء بالبهجة والأمل، وثماره محفوظة عند الله، بغض النظر عما يقوله الناس. هكذا لا يتسرب التعب إلى قلبي، لأن أجري من الذي لا يجحد أبدًا.»

الأسئلة ذات الصلة