يقتصر البعض الإيمان على المظاهر لجهلهم بمقاصد الدين، والرياء، والنفاق، والضغوط الاجتماعية. بينما يؤكد القرآن على الإخلاص والتقوى القلبية، ويعتبر الإيمان الحقيقي توازنًا بين الظاهر والباطن وعملًا صالحًا.
إن قصر الإيمان على المظاهر الخارجية، والاكتفاء بأداء الطقوس والعبادات دون الانتباه إلى عمقها وجوهرها الباطني، كان ولا يزال تحديًا دائمًا في مسار الروحانية والتدين. تعود هذه الظاهرة إلى جذور متعددة يمكن تفسيرها بالاعتماد على تعاليم القرآن الكريم. فالقرآن يؤكد باستمرار على أهمية القلب، والنية، والإخلاص، والتقوى، ويعتبر الأعمال الظاهرية بدون سند باطني، قليلة القيمة أو حتى عديمة القيمة. ولفهم سبب هذا القصر، يجب الانتباه إلى عدة نقاط أساسية. أولاً، أحد الأسباب الرئيسية لقصر الإيمان على الظاهر هو الفهم الناقص والسطحي للدين. فالعديد من الأفراد قد يرون الدين، بسبب عدم تعمقهم في تعاليم القرآن والسنة النبوية، مجرد مجموعة من القواعد والطقوس الخارجية. قد يعتقدون أنهم بإقامة الصلوات الظاهرية، وصوم رمضان، وأداء فريضة الحج، أو الالتزام بزي معين، قد بلغوا ذروة الإيمان، في حين أن هذه الأعمال هي وسائل للوصول إلى التقوى الداخلية وتزكية النفس، وليست الغاية النهائية. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الله ينظر إلى القلوب والنوايا، وليس فقط إلى ظاهر الأعمال. فعلى سبيل المثال، يقول تعالى في سورة الحج، الآية 37: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ"؛ هذه الآية توضح بجلاء أنه حتى في عبادة مثل الأضحية، فإن الروح والجوهر الحقيقي للعمل، وهو التقوى، هو ما له القيمة، وليس مجرد الشكل الخارجي. هذا الفهم السطحي يمنع من استيعاب الأبعاد الأخلاقية، والاجتماعية، والروحية للإيمان، ويحبس الفرد في دائرة ضيقة من الظاهرية. ثانياً، تعد ظاهرة الرياء والنفاق من أهم العوامل التي تؤدي إلى قصر الإيمان على الظاهر. الرياء يعني أداء الأعمال الصالحة لجذب انتباه الناس ومدحهم، وليس لرضا الله تعالى. أما النفاق فيعني التظاهر بالصلاح وإخفاء الباطن المتناقض مع الإيمان. القرآن الكريم يذم بشدة المرائين والمنافقين، ويعتبر أعمالهم بلا ثمر. في سورة الماعون، الآيات 4 إلى 6، يقول تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ"؛ هذه الآيات تصرح بأن الصلاة التي تؤدى بلا خشوع وبنية الرياء، لا قيمة لها فحسب، بل تستوجب الوعيد. الأفراد المرائيون يحولون الإيمان إلى أداة لكسب المكانة الاجتماعية، أو الاحترام، أو المصالح الدنيوية. ولهذا السبب، فإنهم يركزون فقط على الجوانب الظاهرية والواضحة للإيمان ليظهروا متدينين في أعين الناس، بينما دواخلهم خالية من نور الإيمان. يؤدي هذا التظاهر والسعي لكسب رضا الخلق إلى غفلة الإنسان عن الهدف الأساسي للدين وهو القرب الإلهي وتزكية النفس، فيتشبث بقشور الدين فقط. ثالثاً، يؤثر تأثير العوامل الاجتماعية والبيئية أيضًا في هذا الاتجاه. ففي بعض المجتمعات، قد يُعرف التدين فقط من خلال العادات والتقاليد الاجتماعية، وقد يدفع الضغط الاجتماعي للامتثال للمظاهر الدينية الأفراد نحو هذه الظاهرية. فلكي يكونوا مقبولين اجتماعيًا أو لتجنب الرفض، قد يلجأ الناس إلى الأفعال الظاهرية، حتى لو لم تواكب قلوبهم ذلك. هذه الظاهرة توفر بيئة مناسبة لنمو النفاق والرياء. القرآن يحذر من هذا النهج المنحرف ويقدم المعايير الإلهية على المعايير البشرية. فالإيمان الحقيقي هو مقاومة لهذه الضغوط الاجتماعية، حيث يفضل المؤمن رضا الخالق على رضا المخلوق. رابعاً، ضعف النفس، وعدم معرفة الذات، وعدم التربية الباطنية يمكن أن تؤدي أيضًا إلى هذا القصر. فلفهم عمق الإيمان والعمل بمقتضاه، يتطلب الأمر مجاهدة النفس، والمراقبة، والمحاسبة الدائمة. إذا غفل الإنسان عن باطنه ولم يسعَ لإبعاد الصفات الذميمة عن نفسه وتنمية الفضائل الأخلاقية في وجوده، فسيبقى إيمانه سطحيًا وظاهريًا. غالبًا ما يغفل هؤلاء عن البعد الأخلاقي للدين الذي يشمل العدل، والإحسان، والصدق، والأمانة، وخدمة الخلق. يقدم القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 177، تعريفًا شاملاً للبر الحقيقي يتجاوز بكثير الأعمال الظاهرية: "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"؛ هذه الآية تبين بوضوح أن الإيمان الحقيقي هو مزيج من الاعتقاد القلبي والعمل الصالح في جميع أبعاد الحياة، ومجرد أداء الطقوس الظاهرية جزء صغير منه. في الختام، للتغلب على هذه الظاهرية، نحتاج إلى إعادة النظر في فهمنا للدين، وتربية النفس، وتقوية الإخلاص في النية والعمل، والسعي لمطابقة الظاهر بالباطن. فالإيمان الحقيقي هو نور في القلب ينعكس في سلوك الإنسان وقوله، وليس مجرد تظاهر خارجي بلا عمق داخلي.
يحكى أن رجلاً متعبدًا وزاهدًا كان يذهب إلى المسجد كل يوم، مرتديًا عباءة من الصوف وممسكًا بمسبحة، يؤدي صلواته بصوت عالٍ وخشوع ظاهر. كان الناس يثنون عليه ويغبطون زهده. في أحد الأيام، قال له صديق له، وكان هو نفسه عارفًا: "يا صديقي، صلاتك وذكرك ظاهرة للجميع، وأنت تُعد من أهل التقوى. ولكن هل اختبرت يومًا في خلوتك ولو عُشر هذا الخشوع وحضور القلب؟ وهل نيتك في كل هذا التظاهر إلا رضا الناس؟" توقف الرجل الزاهد لحظة، غارقًا في التفكير. تابع العارف: "بستان وروضة القلب ينبغي أن تسقى، لا أن تزين الحديقة الظاهرة فقط. ففي بعض الأحيان، نية خالصة تمنح قيمة لألف سجدة ظاهرية، وفي أحيان أخرى، نية غير صافية تفسد ألف عمل. الله يرى القلوب، وليس فقط الأشكال." أدرك الرجل الزاهد هذه الحقيقة، وسعى من ذلك الحين لتقوية إيمانه ليس في ظاهره بل في باطنه ونيته، لأنه عرف أن "الداخل هو الذي يجب أن يكون طاهرًا، لا الثوب."