يرى بعض الناس الطريق الخاطئ جميلاً لأن الشيطان يزين لهم الأعمال السيئة وتتغلب أهواؤهم على عقولهم، مما يؤدي إلى الغفلة وعمى البصيرة الروحية. والتحرر من هذه الحالة ممكن بالتقوى، والتدبر في آيات الله، ومجاهدة النفس.
لماذا يرى بعض الناس الطريق الخطأ جميلاً؟ هذا سؤال عميق يتناول أبعادًا نفسية واجتماعية، وخاصة الأبعاد الروحية والقرآنية. إن القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي من الله، يقدم رؤى لا مثيل لها في تحليل هذه الظاهرة، ويكشف عن أسبابها الأساسية. لفهم هذه المسألة، يجب أن نولي اهتمامًا لعدة جوانب رئيسية يشير إليها القرآن. في الحقيقة، هذا "الرؤية الجميلة" للمسار الخاطئ ليست سوى وهم يخلقه الشيطان والنفس الأمارة بالسوء في قلوب البشر لإبعادهم عن الصراط المستقيم. من أبرز الأسباب التي يشدد عليها القرآن هو تزيين الشيطان للأعمال السيئة. إن الشيطان، العدو اللدود للإنسان، يسعى منذ الأزل لقلب الحقائق وتشويهها، وتقديم الباطل في ثوب الحق، والقبح في رداء الجمال لعين الإنسان. يستخدم جميع الوسائل والأدوات الخادعة لجعل المعصية جذابة، والخطيئة حلوة، والانحراف مرغوبًا فيه. يشير القرآن الكريم في آيات عديدة إلى دور الشيطان هذا. على سبيل المثال، في سورة الأنعام، الآية 43، يقول تعالى: "وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (أي: "ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون"). هذه الآية توضح بجلاء أن أحد المهام الرئيسية للشيطان هو تزيين وتجميل الأعمال السيئة. يخدع العقول والقلوب بوعود كاذبة، ووهم القوة، واللذات الزائلة، والنجاحات المزيفة. يوسوس للإنسان بأن هذا الفعل الخاطئ سيجلب له منفعة، أو أن هذه اللذة المحرمة فرصة لا يجب تفويتها. يستغل الشيطان في هذا السبيل جميع نقاط ضعف الإنسان، من الطموح إلى الجشع والشهوة، وبكلام معسول وتجميل، يصور طريق الخطأ كمسار مليء بالورود وجذاب. سبب آخر يطرحه القرآن هو اتباع الهوى والشهوات الدنيوية. في كثير من الأحيان، يستسلم البشر، بوعي أو بغير وعي، لرغباتهم وشهواتهم الداخلية بدلاً من اتباع العقل السليم والهداية الإلهية. إن النفس الأمارة بالسوء، التي تميل إلى الشرور، إذا لم يتم التحكم فيها، تدفع الإنسان نحو اللذات العابرة والآثام. يقول القرآن في سورة الجاثية، الآية 23: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً ۖ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" (أي: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون؟"). هذه الآية توضح بشكل جميل وعميق نتيجة اتباع الهوى: الضلال وعمى العين والقلب عن الحقيقة. عندما يفضل الإنسان هواه على كل شيء، يفقد تدريجياً القدرة على التمييز بين الحق والباطل، ويرى ما تشتهيه نفسه جميلاً وصحيحًا، حتى لو كان يتناقض مع المعايير الإلهية والعقلية. اللذات العاجلة وزخارف الدنيا يمكن أن تلقي ستارًا على بصيرة الإنسان بحيث لا يستطيع رؤية عواقب أفعاله، ونتيجة لذلك يختار طريق الانحراف الذي يظهر بمظهر مزين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الغفلة وعدم التدبر في الآيات الإلهية وعلامات الله يمكن أن يؤدي إلى رؤية المسار الخاطئ جميلاً. عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله ويصبح غير مبالٍ بالتعاليم الدينية والتحذيرات الإلهية، يقسو قلبه ويفقد القدرة على فهم الحقيقة. هذا هو "الختم على القلب" و "الغشاوة على البصيرة" المشار إليهما في القرآن. في سورة البقرة، الآية 7، يقول تعالى: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (أي: "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم"). هذا الختم والغشاوة هما نتيجة طبيعية للإعراض المستمر عن الحق والغوص في مستنقع الذنوب. كلما زاد الإنسان في الخطأ وأعرض عن التذكيرات الإلهية، تضاءلت بصيرته الروحية إلى درجة أنه لم يعد قادرًا على رؤية قبح أفعاله، وقد يجدها جميلة ومستحسنة. غالبًا ما يقع هؤلاء الأفراد في حلقة مفرغة من التبريرات النفسية والشيطانية التي تغرقهم أعمق في الطريق الخاطئ. كما أن غياب القدوة الحسنة، وتأثير البيئة ورفقاء السوء، وضعف الإيمان، هي عوامل خارجية وداخلية تزيد من تفاقم هذه الظاهرة. فالمجتمع الذي تسود فيه القيم المادية والظاهرية على القيم الروحية والأخلاقية، يمكن أن يوفر بيئة لتزيين الباطل. والأصدقاء ورفقاء السوء، من خلال تبرير الذنوب وتطبيعها، يمكن أن يدفعوا الفرد نحو قبول الانحرافات. في مثل هذه البيئة، تتلاشى الحدود بين الحق والباطل، ويصبح تمييز الطريق الصحيح أكثر صعوبة. والإيمان الضعيف أيضًا يجعل الإنسان أكثر عرضة لوساوس الشيطان وخداعه، ويدفعه إلى الاستسلام لجاذبية الذنوب الزائفة بدلاً من المقاومة. للتحرر من هذا الخداع، يضع القرآن الكريم طرقًا واضحة. الخطوة الأولى هي التقوى والخشية من الله. فالتقوى تمنح الإنسان بصيرة ليميز الحق من الباطل. والخطوة الثانية هي التفكير والتدبر في الآيات الإلهية وعلامات الخلق. يدعو القرآن الإنسان باستمرار إلى التفكر في الآفاق والأنفس لكي تتجلى له الحقيقة. والخطوة الثالثة هي الاستعاذة بالله من شر الشيطان والاستعانة به ضد الوساوس. والرابعة، مصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار. فالأصدقاء الصالحون يمكن أن يعينوا الإنسان على طريق الحق ويمنعوه من الوقوع في فخ الضلال. والخامسة، تزكية النفس ومجاهدة الهوى. بتهذيب النفس، يمكن للإنسان أن يسيطر على شهواته ويتحرر من أسرها. هذا المسار شاق ولكنه مثمر، ويمنح الإنسان قوة لا مثيل لها لرؤية الحقيقة ومقاومة زيف الباطل. في الختام، "رؤية المسار الخاطئ جميلاً" هي مرض روحي ومعنوي له جذور عميقة في الوساوس الشيطانية، وضعف الإرادة، واتباع الهوى. يعلمنا القرآن الكريم أن هذا الجمال كاذب وأن عاقبته ليست إلا الخسارة والندم. طريق النجاة يكمن في التمسك بحبل الله، وزيادة البصيرة الروحية، والابتعاد عن كل ما يغفلنا عن ذكر الله. هذا تذكير دائم بأن المظاهر الخادعة لبعض أمور الدنيا لا يجب أن تصرفنا عن الحقيقة النهائية والهدف الأسمى للخلق. فقط بنور الهداية الإلهية يمكننا إدراك القبح على حقيقته، والجمال الحقيقي على واقعه، والتحرر من فخ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء. هذه البصيرة هي هبة من الله يمنحها لمن يثبتون على طريق الحق ويرغبون في الهداية بصدق.
يُروى أنه في قديم الزمان، كان هناك مسافران يسيران في الصحراء. أحدهما كان حكيمًا وبصيرًا، والآخر شابًا ساذجًا مفتونًا بالمظاهر. فجأة، رأيا من بعيد طريقًا يبدو مزينًا ومضيئًا، وكأنه مفروش بالزهور الملونة والأحجار المتلألئة. صرخ الشاب بحماس: "انظر! يا له من طريق جميل ومبهج! لا شك أن هذا الطريق يؤدي إلى الرخاء والسعادة. دعنا نذهب من هنا." ابتسم الرجل العجوز الحكيم بهدوء وقال: "يا بني، المظهر خادع وليس كل ما يلمع ذهبًا. هذا الطريق، وإن بدا جميلاً، إلا أن علامات الهلاك فيه واضحة. لقد سقط الكثيرون في فخه أملًا في جماله. ربما يكون الطريق الصحيح صعبًا وبلا زينة في البداية، لكن عاقبته السعادة." لكن الشاب، الذي كان مفتونًا بجمال الطريق الخادع، لم يستمع إلى نصيحة الشيخ واندفع بسرعة نحو ذلك الطريق البراق. تنهد الشيخ الحكيم ومضى في طريقه الوعر ولكنه الآمن. ولم يمض وقت طويل حتى سمع صرخات ندم الشاب من بعيد؛ فقد وقع في مستنقع لم يكن جماله سوى سراب. ومنذ ذلك الحين، أدرك الشاب أن ليس كل جمال ظاهري يدل على الحقيقة، وأحيانًا يتم تزيين الطريق الخاطئ لدرجة أن العاقل قد يقع في الخطأ، لكن الحكيم هو من لا ينخدع بالمظاهر ببصيرة قلبه.