العداء للدين ينبع من الكبر، التعلق المفرط بالدنيا، اتباع الهوى والجهل، والوساوس الشيطانية. هذه العوامل تمنع قبول الحق والهداية الإلهية.
العداء الذي يكنّه بعض الناس للدين ظاهرة معقدة ومتجذرة، وقد أشار القرآن الكريم إلى جوانبها المختلفة بإسهاب. لا يقتصر هذا العداء على مجرد إنكار وجود الله أو صدق الأنبياء، بل يتصاعد أحيانًا إلى العناد والمنازعة، وحتى محاولات القضاء على التعاليم الدينية. يكشف القرآن، ببيانه الفصيح والعميق، الأسباب الكامنة وراء هذا الإعراض والعداء، باحثًا عن جذوره في أعماق النفس البشرية وتأثيرات خارجية. أحد الأسباب الرئيسية التي يشير إليها القرآن هو الكبر والاستكبار. فالأفراد المتغطرسون الذين يرون أنفسهم أرفع من الآخرين أو حتى أرفع من الأوامر الإلهية، يرفضون قبول الحق. يعتقدون أن اعتناق الدين يعني الخضوع لقوة أعلى، وهذا يتعارض مع غرورهم وعظمتهم الذاتية. كان إبليس أول كائن رفض السجود لآدم بسبب الكبر، فطُرد من رحمة الله. يقول القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 34: «وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين). هذه الآية تشير بوضوح إلى أن جذر أول عصيان في الوجود كان الكبر. وفرعون مثال بارز على استكبار الإنسان تجاه الدعوة الإلهية، مما أدى في النهاية إلى طغيانه وهلاكه. الكبر حاجز عظيم في طريق قبول الهداية، لأن الشخص المتكبر يرى نفسه مستغنيًا عن الهداية ويرفض أي رسالة لا تتوافق مع آرائه المسبقة. يمكن أن ينبع هذا الكبر من المكانة الاجتماعية أو الثروة أو المعرفة السطحية أو حتى النسب والقبيلة، مما يعمي الفرد عن إدراك الحقيقة. إنه يخلق حجابًا لا يمكن اختراقه على القلب، يمنع النور الإلهي من الدخول وإضاءة طريق الصلاح. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من هذه الصفة الخطيرة، مؤكدًا أن المتواضعين أمام الله هم وحدهم من يمكنهم بلوغ الحكمة والخلاص الحقيقي. سبب آخر مهم هو حب الحياة الدنيا المفرط والمادية (حب الدنيا والمادية). فبعض الأفراد يغرقون تمامًا في الملذات الزائلة والمظاهر الخادعة لهذه الدنيا، لدرجة أنهم يرون أي دعوة إلهية نحو الاعتدال والتقوى تتعارض مع مصالحهم الدنيوية، فيقومون بالعداء ضدها. يؤكد القرآن مرارًا أن الدنيا متاع قليل، وأن الآخرة خير وأبقى. ومع ذلك، يمكن أن يكون التعلق بالأمور الدنيوية قويًا لدرجة أنه يحجب بصيرة الإنسان ويمنعه من إدراك الحقائق الروحية. في سورة التوبة، الآية 24، يقول الله تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَ أَبْنَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ وَ أَزْوَاجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَ تَجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَ مَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَ اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين). توضح هذه الآية بوضوح أنه عندما تتقدم محبة الدنيا على محبة الله ورسوله، فإن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة، ويمكن أن ينتهي بالعداء للدين. هؤلاء الأفراد على استعداد لإنكار أي حقيقة روحية والجدال ضدها من أجل الحفاظ على مكاسبهم المادية. تصبح رؤيتهم ضيقة، تقتصر فقط على ما يمكنهم الحصول عليه في هذه الحياة الفانية، مما يجعلهم صمًا عن النداء الأبدي الإلهي. هذا التعلق الشديد بالمتع الزائلة يجعلهم يستاءون من أي انضباط أو قيود يفرضها الإيمان من أجل مصلحتهم النهائية. علاوة على ذلك، يلعب اتباع الهوى والجهل الأعمى (اتباع الهوى والجهل) دورًا حاسمًا. يدعو الدين الإنسان إلى الالتزام بالحدود الإلهية والسيطرة على الشهوات. ومع ذلك، فإن بعض الأفراد لا يرغبون في التنازل عن حريتهم المطلقة للنفس ويقننون حياتهم فقط بناءً على الملذات العاجلة. عندما يفرض الدين عليهم قيودًا، فإنهم يعارضونه. غالبًا ما يكون هذا الالتزام بالرغبات مصحوبًا بالجهل وعدم الفهم الصحيح لفلسفة الدين. فالشخص الجاهل، دون تفكير أو تعقل، يرفض كل ما لا يتوافق مع ميوله. يؤكد القرآن، في آيات عديدة، أن العديد من الكفار والمنكرين لا يتبعون سوى الظن والتخمينات والرغبات الجسدية، دون علم حقيقي. تقول سورة الفرقان، الآية 43: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا» (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلًا). هذا يشير إلى أنه عندما يحل الهوى محل العقل والإيمان، فإن الإنسان ينحرف وحتى يصبح عدوًا للحقيقة. يمكن أن ينبع الجهل من عدم الرغبة في طلب المعرفة أو من تأثير البيئة والتربية الخاطئة. أولئك الذين، دون تحقيق وبتعصب، ورثوا تعاليم خاطئة عن أسلافهم، قد يقاومون الحقيقة. إنهم يختارون الراحة في أباطيلهم الموروثة على حساب طريق الحق والتنوير الذي قد يكون مليئًا بالتحديات. أخيرًا، تلعب الوساوس الشيطانية والتضليل من قبل شياطين الإنس والجن (وساوس الشيطان والتضليل من شياطين الإنس والجن) دورًا كبيرًا. الشيطان عدو ظاهر للإنسان، ويسعى باستمرار لتحويل الأفراد عن الطريق المستقيم وقيادتهم نحو الكفر والعناد. يمكن أن تتجلى هذه الوساوس في شكل شبهات، أو جاذبيات دنيوية خادعة، أو تحريض على الخطيئة والعصيان. شياطين الإنس أيضًا، وهم الأفراد الأشرار والمنحرفون، يضلون الناس عن الدين بتزيين الباطل وترويج الأفكار الضالة. يشير القرآن صراحة في سورة الناس إلى شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس. علاوة على ذلك، في سورة الأنعام، الآية 112، يقول تعالى: «وَ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا» (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا). توضح هذه الآية أن ليس فقط شياطين الجن بل البشر الأشرار أيضًا، من خلال تزيين الباطل واستخدام الكلمات الخادعة، يضلون الناس ويزرعون العداء للدين. يقوم هؤلاء الشياطين بزرع الشكوك وتشويه الحقائق والمبالغة في الأخطاء، مما يمهد الطريق لإعراض الناس عن الإيمان. إنهم يستغلون نقاط ضعف البشر وهشاشتهم، مما يجعل طريق الانحراف يبدو جذابًا ومنطقيًا، بينما يصورون الإيمان على أنه مقيد وغير عقلاني. في الختام، يمكن القول إن العداء للدين ينبع من عوامل متعددة متجذرة في الكبر والغرور، والتعلق المفرط بالحياة الدنيا، واتباع الهوى والجهل، وكذلك وساوس ومؤامرات شيطانية. يمكن أن يساعدنا فهم هذه العوامل في التعامل مع هذه الظاهرة بنظرة أعمق واكتشاف طرق لمواجهتها؛ وهي طرق تتضمن الدعوة إلى التفكر، وتعزيز العلم والمعرفة، وتقوية الإيمان والصبر في مواجهة الإغراءات. إن إدراك أن الإيمان ليس مجرد قيود، بل يجلب الحرية الحقيقية والسلام الدائم، يمكن أن يبدد العديد من سوء الفهم والأعداء. لقد أنار القرآن طريق الهداية، لكن قبوله يتطلب قلبًا متفتحًا، وروحًا باحثة عن الحق، وإرادة قوية للتغلب على العوائق الداخلية والخارجية.
في گلستان سعدي، يُروى أن رجلاً ثريًا ومتغطرسًا كان ينتقد باستمرار فقر وبساطة الدراويش، ويرى نفسه أسمى منهم. في أحد الأيام، مر به درويش وقور وذو قلب طيب. تحدث الرجل الثري بغرور عن ممتلكاته وحقر الدراويش لعدم امتلاكهم ثروة دنيوية. فأجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: "يا عزيزي! الثروة الحقيقية تكمن في راحة البال والقناعة، والكبر حجاب يحرم عيني القلب من رؤية الحقيقة. فربما هناك كنز في قلب درويش لا يمكن لأي ملك أن يجده في كنوزه." غضب الرجل الثري من هذه الكلمات الحكيمة، وطرد الدرويش بعداوة ومضى في طريقه، دون أن يُصغِ لقوله بقلبه. مضت الأيام، ودارت عجلة القدر. فقد الرجل الثري كل ثروته وأصبح فقيرًا. وفي هذه الحالة، جلس في زاوية مهدمة يندب حظه. رأى الدرويش نفسه يمر من هناك بوجه مضيء وهادئ. تنهد الرجل الثري وقال: "آه، في ذلك اليوم كانت عيناي معميّتين بالكبر وأذناي صمّاء بالعناد، وإلا لكنت قد تبنيت تلك النصيحة القيمة ولم أكن في هذا الوضع اليوم." قال الدرويش بلطف: "صديقي! الحقيقة دائمًا في متناول اليد، لكن أحيانًا حجاب النفس والدنيا يمنعنا من رؤيتها. آمل أن تتنور عيناك بنور المعرفة من الآن فصاعدًا." تذكرنا هذه القصة كيف أن الكبر والتعلق بالأمور الدنيوية يمكن أن يمنع الإنسان من قبول الحقيقة والإرشاد الإلهي، ويؤدي أحيانًا إلى العداء.