لماذا يفتخر بعض الناس بالمعصية؟

الافتخار بالذنب ينبع من الكبر على الله، واتباع الهوى بلا ضوابط، ووساوس الشيطان، وقساوة القلب. إنه مرض روحي يبعد الفرد عن فطرته النقية.

إجابة القرآن

لماذا يفتخر بعض الناس بالمعصية؟

في تعاليم القرآن الكريم العميقة، يُقدَّم الذنب على أنه انحراف عن المسار الإلهي والفطرة الإنسانية النقية. هذا الفعل، في جوهره، نقص وقصور، ومن المنطقي أن يؤدي إلى الخجل والندم. ولكن السؤال هو: لماذا لا يشعر بعض الأفراد بالخجل من ذنوبهم فحسب، بل يفتخرون بها ويعرضونها؟ لا يستخدم القرآن صراحة عبارة "الافتخار بالذنب"، لكنه يشير إلى الجذور والحالات الروحية التي تؤدي إلى مثل هذه السلوكيات غير التقليدية. إن فحص هذه الجذور يمنحنا بصيرة عميقة في الحالة الروحية لهؤلاء الأفراد. أحد الأسباب الرئيسية التي يشير إليها القرآن هو الكبر والاستكبار. الكبر هو حالة يرى فيها الفرد نفسه متفوقًا على الآخرين، وحتى يتجاوز الحدود الإلهية. هذه الحالة الروحية تجعل الشخص يتمرد على الحق والأوامر الإلهية. حتى بعد ارتكاب أفعال خاطئة، فبدلاً من التوبة والندم، قد يصر على خطئه ويعتبره صحيحًا. كان إبليس أول كائن عصى أمر الله بسبب الكبر، وحتى بعد ذلك، أصر على ضلاله. يذكر القرآن مرارًا مصير المتكبرين، مثل فرعون، الذين على الرغم من رؤيتهم لآيات الله، ابتعدوا عن قبول الحق بسبب كبرهم، بل كانوا يتباهون بأفعالهم الظالمة. الافتخار بالذنب هو، في جوهره، شكل من أشكال الكبر ضد الذات الإلهية وأحكامه؛ وكأن الشخص يريد أن يُظهر أنه لا يخشى أي قوة ويعتبر نفسه فوق المحاسبة الإلهية. الجذر الثاني المهم هو اتباع الهوى والشهوات الدنيوية. يميل الإنسان بطبيعة الحال إلى الملذات والرغبات الدنيوية، وإذا لم تُتحكم هذه الميول بالعقل والوحي، يمكن أن تقوده إلى الذنب. عندما يسعى الفرد باستمرار لإرضاء شهواته دون مراعاة الحدود الإلهية، يقسو قلبه تدريجيًا، وتضعف قدرته على التمييز بين الحق والباطل. في مثل هذه الحالة، لا يُنظر إلى الذنب على أنه فعل خاطئ، بل يصبح وسيلة لإشباع الرغبات النفسية. بعض الأفراد، بسبب عمق هذا الاتباع للهوى، يعتبرون ذنوبهم علامة على 'حريتهم' أو 'قوتهم' ويفتخرون بها، معتقدين أنهم تمكنوا من التحرر من القيود الأخلاقية والدينية. ومع ذلك، فإن القرآن يسمي هذا التحرر ضلالًا ويحذر من عواقبه الوخيمة. يلعب الشيطان أيضًا دورًا حاسمًا في هذا السياق. يذكر القرآن صراحة أن الشيطان يزين الأعمال السيئة في نظر الإنسان، ويجعلها تبدو جذابة. يمكن أن يتطور هذا التزيين إلى درجة لا يرى فيها الشخص الذنب قبيحًا فحسب، بل يعتبره أمرًا مرغوبًا فيه وحتى مشرفًا. يجذب الشيطان البشر نحو الذنب بوعود كاذبة وخداع، ثم يمنعهم من التوبة. عندما يستجيب الإنسان لنداء الشيطان وينحرف عن الطريق الصحيح، يبرر الشيطان، بوساوسه، ذنوبه، بل ويوحي إليه بأن هذه الأفعال علامة على تفوقه وذكائه، وبهذه الطريقة، يزرع إحساس الافتخار بالذنب في قلبه. قساوة القلوب والغفلة عن ذكر الله عامل آخر مساهم. تكرار الذنوب دون توبة والعودة إلى الله، يقسي ويُظلم قلب الإنسان. القلب القاسي لا يدرك بعد ذلك الهداية الإلهية، ولا يتأثر بالنصائح، بل يتجاهل حتى الآيات والعلامات الإلهية. في مثل هذه الحالة، يتجاوز الفرد الخجل من الذنب إلى حالة من اللامبالاة المطلقة، ويمكن أن تتحول هذه اللامبالاة إلى فخر وتبجح بالذنب. تلعب الغفلة عن يوم القيامة والحساب أيضًا دورًا مهمًا هنا؛ فإذا كان الإنسان غافلًا عن عواقب الذنب في الآخرة، فإنه لا يرى سببًا للخوف أو الندم، وبالتالي قد يستمر في ذنوبه بل ويفتخر بها. في بعض الحالات، يمكن أن يدفع السعي وراء التقدير الدنيوي والنظرة الاجتماعية الفرد إلى الافتخار بالذنب. في المجتمعات أو الجماعات التي تضعف فيها القيم الدينية والأخلاقية، قد يُستخدم ارتكاب بعض الذنوب، وخاصة تلك التي يُنظر إليها على أنها أفعال تمرد أو جرأة، لاكتساب الشهرة أو السلطة أو القبول داخل تلك المجموعة. يفتخر الفرد بذنوبه لإثبات ذاته واكتساب مكانة، ويعرضها على أنها 'ورقة رابحة' له، غافلًا عن أن هذه التقديرات الدنيوية مؤقتة ولا قيمة لها، وتؤدي في النهاية إلى الندم. في الختام، يُعد الافتخار بالذنب علامة على مرض روحي عميق وانحراف عن الفطرة الإلهية. يدعو القرآن الكريم الإنسان دائمًا إلى التفكير والتوبة والعودة إلى الله وإصلاح الذات. يمكن اعتبار هذه الحالة نقطة انحرف فيها الإنسان، بسبب الكبر واتباع الهوى والوساوس الشيطانية، عن مسار الهداية، وأصبح قلبه قاسياً. لا يمكن علاج هذا المرض إلا من خلال يقظة الضمير، والتوبة الصادقة، وذكر الله المستمر، والجهد لتطهير الروح من شوائب الذنب.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن رجلاً كان ذا ثراء عظيم، وكلما زادت أملاكه الدنيوية، ازداد كبراً وافتخاراً. ذات يوم، نصحه حكيم قائلاً: 'يا أخي، هذا المال والجاه لا يدومان؛ اليوم وأنت تملك، أنفق في سبيل الخير، ودع عنك الغرور.' فرد الرجل الغني بابتسامة متغطرسة: 'هذا المال جُمع بجهدي وتدبيري، ولا نصيب لأحد فيه سواي؛ فما لي وللنصح؟!' دارت الأيام، وتغيرت الأحوال. سرعان ما فقد ذلك الرجل ثروته كلها وأصبح فقيراً عاجزاً. حينها فقط تذكر كلام الحكيم وندم على كبره. فأدرك أن الافتخار بالممتلكات الزائلة وتجاهل طريق الحق لا يجلب سوى الندم والحسرة.

الأسئلة ذات الصلة