لماذا تبدو حياة بعض العصاة أسهل؟

الراحة الظاهرية لبعض العصاة في الدنيا هي اختبار قد تكون من "الاستدراج" (الأخذ التدريجي نحو الهلاك)، أو مجرد جزء من قسمة الرزق الإلهي في الحياة الفانية. العدالة الكاملة والجزاء الحقيقي يتحققان في الآخرة، والراحة الحقيقية تكمن في طمأنينة القلب، لا في الثروة الدنيوية.

إجابة القرآن

لماذا تبدو حياة بعض العصاة أسهل؟

إن السؤال حول لماذا تبدو حياة بعض العصاة أسهل هو أحد أعمق التساؤلات البشرية وأكثرها تكرارًا، وقد شغل أذهان الناس منذ زمن بعيد. للوهلة الأولى، قد يبدو أن بعض الأفراد الذين يعصون أوامر الله وينغمسون في الذنوب يعيشون حياة مرفهة وخالية من المشاكل، بينما يواجه المؤمنون والصالحون صعوبات وتحديات جمة. ومع ذلك، يتناول القرآن الكريم، بمنظوره العميق والشامل، هذه الظاهرة ويوضح أبعادها المختلفة لتصحيح فهمنا السطحي وكشف الحقيقة وراء المظاهر. إن فهم هذا الأمر لا يساعد فقط في إزالة الغموض، بل يقوي إيماننا بعدل الله وحكمته المطلقة، ويذكرنا بأن الحياة الدنيا ليست سوى مسرح للاختبار، وليست مكان الجزاء الأخير أو العقوبة النهائية. النقطة الأولى والأكثر أهمية التي يؤكد عليها القرآن الكريم هي الطبيعة الخادعة والمؤقتة للحياة الدنيا. فالدنيا، في نظر القرآن، دار زوال، لهو عابر، ومكان اختبار. وما يبدو فيها 'سهولة' قد يكون مجرد خدعة أو وسيلة للاختبار. يقول الله تعالى في سورة الحديد (الآية 20): "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ." توضح هذه الآية بوضوح أن جميع المظاهر المادية في الدنيا، من الثروة والقوة إلى الأبناء والجمال، زائلة وغير مستقرة. هذا "متاع الغرور" (الزينة الكاذبة) يلهي الإنسان عن الحقيقة الأساسية. لذلك، فإن راحة العاصي الظاهرية ليست مكافأة، بل يمكن أن تكون هي الخدعة التي تبعده عن الغاية الحقيقية من الخلق وعن الآخرة، وتشغله بمتعة قصيرة الأمد لا أساس لها. هذا المنظور يغير نظرتنا من "ما نملكه الآن" إلى "ما سنملكه" في العالم الأبدي. التفسير القرآني الثاني هو مفهوم "الاستدراج". الاستدراج يعني الأخذ تدريجيًا نحو الهلاك؛ أي أن الله يمهل العصاة، بل ويزيد عليهم من النعم الظاهرية، لا علامة رضا أو قبول، بل ليزيدهم غرقًا في ذنوبهم، ثم يأخذهم فجأة ودون سابق إنذار بعذابه. بهذه الطريقة، ينغمس العصاة في الراحة والملذات المادية، فيغفلون عن الحقيقة ويتصورون أن السعادة الدنيوية علامة على قبول الله لهم، بينما هذه الراحة هي في الحقيقة وسيلة لسحبهم نحو الهاوية. في سورة الأعراف (الآية 182) ورد: "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ." وهذا "الاستدراج التدريجي" هو الذي يأخذ الفرد مرحلة تلو الأخرى نحو الهلاك، بينما هو نفسه غافل عن ذلك، بل ويظن أن هذه الراحة هي علامة على فضل الله. هذا يدل على حكمة الله البالغة؛ فتأخير العقوبة قد يعطي فرصة للتوبة، وقد يكون هذا التأخير سببًا في زيادة الذنوب، وبالتالي شدة العذاب الأخروي. ثالثًا، توزيع الرزق والمناصب في الدنيا يتم بناءً على الحكمة الإلهية وليس بالضرورة على أساس الإيمان أو الكفر. الله تعالى هو الرزاق المطلق، يرزق جميع خلقه، مؤمنهم وكافرهم. وهذا التقسيم يتم وفق معايير لا يعلمها إلا هو، وقد يشمل اختبارات مختلفة للأفراد. في سورة الزخرف (الآية 32) نقرأ: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ." توضح هذه الآية أن الفروق في الثروة والمكانة الاجتماعية هي جزء من نظام إلهي لإدارة شؤون الدنيا، ولا تعني تفوقًا روحيًا لفرد على آخر. فربما تكون الثروة الوفيرة للعاصي اختبارًا كبيرًا يدفعه إلى المزيد من الكفر والطغيان، مما يزيد من عقوبته؛ وربما يكون الفقر للمؤمن وسيلة لتكفير الذنوب أو رفع الدرجات عند الله. وبالتالي، فإن الوصول إلى الموارد المادية والراحة الدنيوية ليس المعيار النهائي لتقييم قيمة الفرد أو مكانته عند الله. رابعًا، العدالة الإلهية الكاملة تتحقق في الآخرة. هذه الدنيا هي دار اختبار، ولا تتحقق فيها العقوبة الكاملة أو الجزاء النهائي. العدل الإلهي المطلق سيظهر بوضوح تام يوم القيامة، حيث لا يظلم أحد، وحيث يرى كل إنسان جزاء أعماله. فالقرآن يذكرنا باستمرار أن "الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" (الأعلى: 17). راحة العصاة الظاهرية في الدنيا لا شيء مقارنة بالعذاب الأبدي في الآخرة، وصعوبات المؤمنين في الدنيا لا تذكر أمام نعيم الجنة الأبدي. هذا المنظور يشجع المؤمن على الثبات على الحق ويمنعه من الحسد على الوضع الظاهري للعصاة. فالله عادل ولا يظلم أحدًا؛ فإذا كان عاصٍ يعيش في راحة اليوم، فهذه الراحة إما أنها العقوبة نفسها (كما في الاستدراج)، أو مقدمة لعقوبة أشد في الآخرة، أو اختبار له ولغيره. خامسًا، الإمهال الإلهي وفرصة التوبة. الله تعالى صبور ورحيم جدًا، ويمنح عباده، حتى العصاة منهم، فرصة لعلهم يتوبون ويعودون إلى الطريق المستقيم. فالراحة الظاهرية لبعض العصاة يمكن أن تكون جزءًا من هذا الإمهال الإلهي. في سورة النحل (الآية 61) جاء: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ." هذا الإمهال ليس فقط للتوبة، بل قد يكون لإقامة الحجة عليهم؛ أي يُعطون الكثير من النعم والفرص بحيث لا تبقى لديهم حجة لذنوبهم. في الختام، يجب أن نعلم أن الراحة الحقيقية هي راحة القلب والروح، وليست الراحة المادية. فالعاصي، حتى في قمة الثروة والسلطة، قد يعاني داخليًا من القلق والفراغ والخوف من المستقبل، بينما المؤمن، حتى في الفقر والصعاب، يصل إلى طمأنينة القلب بذكر الله والتوكل عليه. يقول القرآن: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28). هذه الطمأنينة الحقيقية تفوق قيمة جميع ثروات الدنيا وتظهر أن مظهر حياة الأفراد لا يعكس بالضرورة حقيقة حالتهم الروحية والمعنوية. لذا، يجب ألا نخدع بالمظاهر؛ فالراحة الظاهرية في الدنيا ليست سوى درجة، قد تكون درجة للصعود إلى السعادة الأخروية، أو قد تكون درجة للسقوط في العذاب الأبدي. والله أعلم وأحكم، وهو الذي يعلم مصير كل إنسان في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن ملكًا من ملوك زمانه، رغم امتلاكه كنوزًا لا تُحصى وجيشًا عظيمًا، كان قلبه مضطربًا ونفسه قلقة دائمًا. لم يهنأ بنوم ليلًا، ولم يتركه الهم والقلق نهارًا. في تلك الأثناء، كان درويش بسيط القلب ومستغنٍ يجلس في زاوية من المسجد، يقنع بكسرة خبز في النهار ويقضي ليله في الذكر والدعاء. لم تفارق ابتسامة الطمأنينة شفتيه أبدًا، وكان نور الرضا يشع من وجهه. فلما سمع الملك عن هدوء الدرويش، ذهب إليه وسأله متعجبًا: 'يا درويش، أنا مع كل هذا الجاه والعظمة والنعمة، أحتَرِقُ في نار المعاناة، أما أنت فمع كل هذا الفقر والعوز، كيف أنت هكذا مطمئن وسعيد؟' ابتسم الدرويش وقال: 'يا ملك، أنت مقيد بكنوز لا يمكن أن تُنال كلها أبدًا، ومن خوف فقدان ما تملك، لا تجد راحة قط. أما أنا، فعبد لم أعلق قلبي بشيء سوى الله. فما أملك فهو من فضله، وما لا أملك فهو من قضائه. راحتي تكمن في أنني لم أتعلق بالدنيا الفانية، ووجهت نظري نحو الدار الباقية. هذه الراحة الظاهرية قد تكون سلمًا لسقوط أكبر، أما بالنسبة لي، فالراحة الحقيقية في ترك هذه التعلقات الدنيوية.' أدرك الملك من هذا الحديث أن الراحة الظاهرية لا تعني بالضرورة السعادة الحقيقية، وربما تكون هذه الراحة نفسها حجابًا على حقيقة مرة.

الأسئلة ذات الصلة