مساعدة الآخرين تجلب شعورًا بالسلام الداخلي وتقربنا إلى الله.
مساعدة الآخرين هي واحدة من المبادئ الأساسية للحياة الإنسانية والإسلامية، وهي تعكس قيمًا عميقة تعزز التعايش السلمي والتعاون بين الأفراد. لا تقتصر أهمية مساعدة الآخرين على المُعطَى ماديًّا، بل تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، مما يعكس طبيعة الإنسان بشكل عام. فمساعدة الآخرين تعتبر رمزًا من رموز الحضارة الإنسانية، وهي تعكس قدرات الأفراد على التراحم والتواد، بل وتصبح من أساسيات بناء المجتمعات الناجحة. عندما نتحدث عن مساعدة الآخرين في السياق الإسلامي، نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يخصصان اهتمامًا بالغًا لهذا الأمر. فالقرآن يشدد على قيمة النفس البشرية وحقوقها، ويعرض كيف أن كل اعتداء على النفس يُعتبر جريمة كبيرة. يقول الله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا". هذه الآية تحدد قيمة النفس البشرية وتشرح أن من يساهم في أذية الآخرين يسهم في إزهاق أرواح وسعادتي مجموعة بأكملها. وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن سورة البقرة تُبرز أهمية الأعمال الخيرية. الآية 177 تنص على ما يلي: "لَيسَ البِرَّ أَن تَولُّوا وَجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَكنّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ". تُذكّرنا هذه الآية بأهمية العطاء ومساعدة المحتاجين الذي يتجاوز كونه واجبًا إنسانيًا بل يُعتبر تعبيرًا عن إيماننا بالله وبقيم الإسلام. إن روح التعاون والمساعدة تعتبر من الأسس الجوهرية في مجتمعاتنا. فالإسلام ينظر إلى مساعدة الآخرين كسلوك يعبر عن الإيمان الحقيقي. فأحد أقوال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعكس هذه الفكرة بوضوح: "أحب للناس ما تحب لنفسك". هذه المقولة تُشجع على الالتفات إلى مشاعر الآخرين واحتياجاتهم. وتُعتبر من أقوى الدعوات لبناء المجتمعات التي تعتمد على الاحترام المتبادل والمحبة. وتلعب مساعدة الآخرين دورًا كبيرًا في تحسين مستوى الحياة وتقليل الفوارق الاجتماعية. فالدعم الاجتماعي، سواء كان ماديًا أو معنويًا، يساهم في تحقيق التقدم والتوازن. مثلا، المساعي التطوعية التي تُوجه لرفع مستوى المعيشة للفقير أو المريض أو المسن تحمل في طياتها أبعادًا عميقة تؤدي إلى كسر حلقات الفقر والإقصاء. عندما نبادر بتقديم المساعدة، نحن لا نساعد فقط من يحتاجها، بل نعمل أيضًا على تحسين البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها. تجدر الإشارة إلى أن مساعدة الآخرين تشمل العطاء لليتامى والمحتاجين. يمثّل هذا الأمر أحد الواجبات الأساسية التي حث عليها الإسلام، بحيث يشكل العطاء جانبًا من جوانب التقرب إلى الله. وقد ورد في العديد من الأحاديث النبوية التأكيد على أهمية هذا العطاء كوسيلة لها النتائج المباركة سواء في الدنيا أو الآخرة. ففي هذا الإطار، يجب أن نقر بأن مساعدة الآخرين ليست مجرد جهد فردي بل هي واجب جماعي يعبّر عن روح الإنسانية والوحدة في المجتمعات. هذه الروح الجماعية تعزز ثقافة الكرم والعطاء، وتساعد على بناء مجتمعات متماسكة تقوم على التعاون المشترك. من الجانب النفسي والاجتماعي، تساعد مساعدة الآخرين في نشر الشعور بالسلام الداخلي. فالكثير من الدراسات أظهرت أن الإنسان يتحسن مزاجه عندما يقدم المساعدة للآخرين. هذا هو ما يفسر لماذا نشعر بالسعادة والامتنان عندما نمد يد العون لمن يحتاج. وليس من الغريب أن نجد وجود مقولات تحث على العطاء، منها قول الشاعر سعدي "أحسن وألقِ في دجلة، فإن الله يذكرك في الصحراء". بمعنى أن ما نقدمه للآخرين يعود إلينا بشكل إيجابي. هذا يعكس مبدأ مؤكد لنتائجه الفورية والبعيدة. وبهذا، نجد أن مساعدة الآخرين تُعتبر من المبادئ الإنسانية والدينية التي يعكسها الإسلام. فالعطاء والمساهمة في حياة الآخرين يساعد على خلق مجتمعات أكثر إنسانيةً وتعاونًا. وهذه ليست فقط دعوة لفعل الخير، بل هي تعزيز للقيم الإنسانية التي ترفع من قدر المجتمعات وتساهم في انتشار المحبة والسلام بين الأفراد. إننا بحاجة دائماً لتعزيز ثقافة الإيثار والتعاون كجزء من هويتنا الإنسانية، فكل خطوة في طريق الخدمة والأعمال الخيرية تُعد أساسًا لنشر السعادة والسلام، وبالتالي فإن مسؤوليتنا تحتم علينا العمل من أجل بناء مجتمعات قائمة على المحبة والمساعدة المتبادلة.
في يوم من الأيام، كان عادل يمشي في الحديقة عندما رأى بعض الأطفال يلعبون معًا. وفجأة، وقع أحد الأطفال وبدأ يبكي. اقترب عادل منه بابتسامة وقال: 'لا داعي للقلق، دعني أساعدك.' أمسك بيد الطفل ورفعها. بعد لحظة من الاطمئنان، شكره الطفل وعاد إلى أصدقائه للعب. استمر عادل يفكر في هذه التجربة لعدة أيام، مدركًا كم كانت مساعدة الآخرين قيمة ومريحة.