لماذا يوجد ظلام في داخل بعض البشر؟

الظلام الداخلي في الإنسان ليس فطرياً، بل هو نتيجة للاختيارات الخاطئة والذنوب المتكررة والغفلة عن الله ووساوس الشيطان التي ترين على القلب؛ ويمكن إزالته بالتوبة والعودة إلى ذكر الله.

إجابة القرآن

لماذا يوجد ظلام في داخل بعض البشر؟

من منظور القرآن الكريم، إن وجود "الظلام" في داخل بعض البشر ليس مفهومًا ينبع من أساس خلق الإنسان، بل هو نتيجة للاختيارات والأفعال والتأثر بالعوامل المختلفة. يصف القرآن الإنسان بأنه مخلوق على "الفطرة" النقية والإلهية؛ فطرة تميل إلى الحق والخير والتوحيد. يقول الله تعالى في سورة الشمس، الآيات 7-10: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". هذه الآيات تشير بوضوح إلى أن الله قد زرع في الإنسان القدرة على تمييز الخير والشر. وبالتالي، فإن الظلام الداخلي مكتسب وليس جوهريًا. أحد الأسباب الرئيسية لظهور هذا الظلام هو مفهوم "الاختيار" و"الإرادة الحرة" التي منحها الله للإنسان. على عكس الملائكة الذين هم طائعون لأوامر الله فقط، يمتلك الإنسان القدرة على الاختيار؛ الاختيار بين طريق الحق وطريق الباطل، بين الطاعة والمعصية. هذا الاختيار هو ابتلاء إلهي. يقول الله في سورة الكهف، الآية 29: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ". هذه الآية توضح بجلاء أن الإنسان مسؤول عن اختياراته. عندما يميل الإنسان، بدلاً من الاستفادة من فطرته النقية وهدايات الله، نحو الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، تُزرع البذور الأولى للظلام في داخله. دور "النفس الأمارة بالسوء" مهم جدًا في هذا السياق. النفس الأمارة هي جزء من الكينونة البشرية يدعو الإنسان باستمرار نحو الشرور والشهوات. في سورة يوسف، الآية 53، نقرأ: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي". هذا الصراع الدائم بين النفس الأمارة (الداعية إلى الشر) والنفس اللوامة (التي تلوم الذات) وفي النهاية النفس المطمئنة (التي استقرت بذكر الله) هو ما يشكل المسار الداخلي للإنسان. إذا لم يتحكم الإنسان في النفس الأمارة بالعقل والوحي، واستسلم لرغباتها، فإن قلبه يتجه تدريجيًا نحو الظلام. هذا الاستسلام للنفس الأمارة هو في حد ذاته اختيار، ومع مرور الوقت، تتراكم غبار الذنوب والأخطاء على مرآة الفطرة، مما يجعلها باهتة. عامل آخر حاسم هو "وساوس الشيطان". الشيطان (إبليس)، بعد عصيانه لأمر الله وطرده من رحمته، أقسم أن يضل بني آدم عن الصراط المستقيم. لكن قوة الشيطان تقتصر على الوسوسة وتزيين الشرور، وليس له أي سلطان على إرادة الإنسان. فهو مجرد داعٍ إلى الشر، والإنسان هو من يملك حرية قبول دعوته أو رفضها. في سورة إبراهيم، الآية 22، يقول الشيطان لمن تبعه يوم القيامة: "وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي". هذا يوضح أن قبول وساوس الشيطان هو نتيجة لاختيار الإنسان. عندما يصغي الإنسان لوساوس الشيطان وينحرف عن طريق الحق، فإن هذه الاختيارات الخاطئة تغطي قلبه بالظلام شيئاً فشيئاً، وتنشئ حُجُبًا بينه وبين النور الإلهي. ارتكاب "الذنوب المتكررة واللامبالاة" بها هو أحد أخطر أسباب الظلام الداخلي. يصف القرآن الكريم هذه الظاهرة بـ "الرَّين" على القلب. في سورة المطففين، الآية 14، جاء: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ". هذه الآية تشير بوضوح إلى أن تكرار الذنوب وعدم التوبة يضع طبقة من الصدأ على القلب، مما يمنع إدراك الحقيقة والنور الإلهي. هذا الصدأ هو نفسه الظلام الداخلي الذي يقلل من قدرة الإنسان على التمييز ويدفعه نحو ذنوب أكبر ولامبالاة أعمق تجاه الحق. كل ذنب يُرتكب يترك نقطة سوداء على القلب، وإذا تراكمت هذه النقاط ولم يتم غسلها، فإنها ستغطي القلب بأكمله وتجعله مظلمًا تمامًا. "الغفلة عن ذكر الله" لها جذور عميقة في هذا الظلام أيضاً. الإنسان الذي يغفل عن ذكر الله، وهدف الخلق، واليوم الآخر، يبني حياته على أساس أمور الدنيا فقط. هذه الغفلة تؤدي إلى حب الدنيا والتعلق المفرط بالماديات، وهو بحد ذاته حجاب بين الإنسان والحقيقة. يقول الله تعالى في سورة طه، الآية 124: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ". هذه "المعيشة الضنك" و"العمى" يوم القيامة يمكن أن يكونا رمزًا لذلك الظلام والضياع الداخلي الذي ينتج عن إهمال مصدر النور والهداية. الغفلة تجعل الإنسان ينسى طريقه الرئيسي وينحرف إلى مسار يؤدي إلى الخراب والظلام. "الكبر والغرور" و"إنكار الحقائق" هما أيضاً من العوامل التي تظلم القلب. عندما ينكر الإنسان الحق بسبب غروره أو يرفض قبول الهداية الإلهية، يختم الله على قلبه. هذا الختم هو نتيجة لأعمال الإنسان نفسه. في سورة البقرة، الآية 7، ورد: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". هذا الختم لا يعني أن الله يضل الإنسان من البداية، بل يعني العجز عن إدراك الحقيقة بسبب الاختيارات الخاطئة السابقة. القلوب التي تُختم بسبب التكبر والطغيان تفقد القدرة على رؤية الآيات الإلهية وسماع رسالة الحق، وتغرق في ظلمات الجهل والضلال. وبالتالي، فإن الظلام الداخلي في البشر ليس أصيلاً، بل هو عملية يمر بها الإنسان عندما يتخذ اختيارات خاطئة، ويستسلم للنفس الأمارة بالسوء، ويقبل وساوس الشيطان، ويرتكب الذنوب المتكررة، ويغفل عن ذكر الله، ويقع في فخ الكبر وحب الدنيا، فيبعد بذلك نفسه عن النور الإلهي. هذا الظلام يشبه طبقة تغطي الفطرة البشرية النقية وتمنعه من إدراك الحقائق والتحرك في مسار السعادة. يؤكد القرآن الكريم باستمرار أن هذا الظلام يمكن إزالته؛ بالتوبة النصوح (التوبة الصادقة المخلصة)، والعودة إلى ذكر الله، والأعمال الصالحة، وطلب الهداية من الرب. طريق العودة إلى النور والنقاء مفتوح دائمًا للإنسان، وهذا من رحمة الله الواسعة. تتطلب عملية التطهير هذه مجاهدة وجهدًا متواصلين، لأن النفس والشيطان يسعيان دائمًا إلى خداع البشر، وعلى الإنسان أن يقف في وجههما ببصيرة وتوكل على الله.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

كان في مدينة شيراز، في قديم الزمان، تاجر ثريّ يمتلك الكثير من المال والجاه والسلطان. ومع ذلك، كان قلبه ضيقًا وروحه مضطربة. فكلما ازدادت ثروته، ازداد الظلام في داخله، ودفعه ذلك نحو الطمع والجشع والقسوة. لم يجد الراحة في فراشه ليلاً، وفي النهار، على الرغم من كثرة الناس حوله، كان يشعر بالوحدة التامة. ابتعد عنه الناس لأنه أظهر قسوته وغلظة قلبه. في تلك الأيام نفسها، كان يعيش في زاوية من المدينة درويشٌ نقي القلب ومستنير الروح. وعلى الرغم من فقره وضيق ذات اليد، كان يمتلك قلبًا واسعًا وروحًا ملؤها السكينة. كان نور الإيمان وذكر الله يتلألأ من وجهه، وكان الناس يقصدونه بشوق لينهلوا من كلماته العذبة. ذات يوم، ذهب التاجر إلى الدرويش يائسًا وقال: "يا رجل الله، أمتلك مالاً كثيرًا وكنوزًا لا تُحصى، ولكن في داخلي ظلامًا، ولا أجد أي راحة. فماذا أفعل ليزول هذا الظلام من قلبي؟" ابتسم الدرويش وقال: "يا أيها الرجل الفاضل، القلب كمرآة، إذا علاها غبار الذنوب والجشع، فإنها تظلم ولا تعكس نور الحق. عندما يتعلق الإنسان بالمخلوق والدنيا بدلاً من الخالق، وتسيطر عليه النفس الأمارة بالسوء، فإن قلبه يتغطى بالصدأ تدريجياً ويصبح مظلمًا. هذا الظلام ينبع من أن الإنسان يترك طريق الفطرة الواضح ويتيه في دروب النفس والدنيا الملتوية. علاج حالتك يكمن في التخلي عن حب الدنيا، والتوجه إلى ذكر الله والإحسان إلى الخلق. فكل ذنب تتركه وكل حسنة تقوم بها، يُمحى غبارٌ من قلبك ويشرق فيه نورٌ." تأثر التاجر بكلام الدرويش، وبدأ شيئًا فشيئًا يغير سلوكه. أنفق جزءًا من أمواله في سبيل الله ومساعدة المحتاجين، وتعامل مع الناس بلطف، وجعل ذكر الله على لسانه وفي قلبه. وبمرور الوقت، زال الظلام من قلبه، وحل محله نور من السكينة والرضا. أدرك أن الثروة الحقيقية تكمن في نقاء القلب ورضا الرب، لا في جمع المال.

الأسئلة ذات الصلة