يؤكد القرآن أن الصدق، حتى لو بدا أقل ربحًا، يؤدي إلى رضا الله، وثقة الناس، وراحة البال، والسعادة الأبدية. بينما الكذب، على الرغم من المكاسب السطحية المؤقتة، يؤدي إلى عدم الثقة، والعقاب الإلهي، والخسارة الأبدية.
صديقي العزيز، هذا سؤال عميق ومتكرر يواجهه الكثير من الناس في منعطفات الحياة. قد يبدو للوهلة الأولى أن الكذب هو وسيلة سريعة لتحقيق مكاسب مادية أو الهروب من المشاكل. ربما في صفقة ما، يمكن لكذبة صغيرة أن تحقق ربحًا أكبر، أو بإخفاء الحقيقة، قد تنقذ نفسك من موقف غير سار. ولكن القرآن الكريم، كتاب الهداية الإلهية، يقدم لنا نظرة أكثر شمولاً وعمقًا لحقيقة الربح والخسارة. فمن منظور القرآن، الربح الحقيقي يتجاوز المصالح الدنيوية الزائلة، والخسارة الحقيقية هي فقدان رضا الله والطمأنينة الداخلية. القرآن يؤكد مرارًا وتكرارًا على أهمية الصدق والنزاهة، ويدين الكذب بشدة. يأمر الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا دائمًا مع الصادقين. هذا أمر صريح ولا لبس فيه. الكذب، حتى لو جلب منافع على المدى القصير، فإنه يهدم أسس الثقة على المدى الطويل. الثقة هي حجر الزاوية في أي مجتمع سليم وأي علاقة إنسانية مستقرة. عندما تكذب، فإنك لا تضر فقط بثقة الآخرين بك، بل الأهم من ذلك، أنك تعكر صلتك بالله. الله يكره أولئك الذين يلجأون إلى الكذب، ويعد بأن يحجب هدايته عن الكاذبين. وهذا يعني فقدان الهداية الإلهية، وهي أكبر خسارة لأي إنسان. من المنظور الإسلامي، الحياة الدنيا هي ساحة اختبار، والربح الحقيقي في هذا الاختبار هو رضا الله وتحقيق السعادة الأبدية في الآخرة. المنافع الدنيوية، مهما بدت عظيمة، هي زائلة وفانية. في المقابل، مكافأة الصدق والنزاهة دائمة. يقول الله إن أبواب البركات والخيرات الإلهية تُفتح للإنسان بفضل صدقه. الصدق لا يجلب راحة البال والضمير فحسب، بل يمنح الإنسان شخصية ومصداقية. فالأشخاص المعروفون بصدقهم يحظون بالاحترام والثقة في المجتمع، ويقيمون علاقات أكثر استقرارًا مع الآخرين. هذا الاحترام والثقة هما رأس مال روحي لا يمكن لأي مكسب مادي أن يساويه، وغالبًا ما يمهد الطريق لنجاحات مادية مستدامة وحلال أيضًا. يعلمنا القرآن أيضًا أن الخداع والكذب من سمات المنافقين. المنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ولكن في الباطن يسعون إلى الخداع والرياء. وقد وعد الله أشد العقوبات للمنافقين. حتى لو اعتقد شخص أنه بالكذب يمكنه الهروب من عواقب أفعاله، فعليه أن يعلم أنه لا شيء يخفى عن الله. الله عليم بما في الصدور، وعالم بالنوايا والأفكار الخفية للبشر. لذلك، كل كذبة تُقال تُسجل في صحيفة أعمال الإنسان وستُحاسب عليها يوم القيامة. حتى لو بقيت مخفية عن أعين البشر، فإنها ليست مخفية عن الله، وأي ربح تم الحصول عليه عن طريق الكذب لن تكون فيه بركة أبدًا، وسيُظهر عواقبه السلبية عاجلاً أم آجلاً في هذه الدنيا والآخرة. بالإضافة إلى ذلك، للكذب آثار نفسية مدمرة. فالكاذب يعيش دائمًا في خوف من انكشاف الحقيقة ويفقد طمأنينته الداخلية. هذا القلق والخوف يعرضان صحة الفرد النفسية للخطر. في المقابل، يمنح الصدق الإنسان شعورًا بالحرية والتحرر. فالشخص الصادق لا يحتاج إلى حفظ قصص معقدة أو الخوف من الفضيحة. هذه الطمأنينة والحرية هي أكبر مكسب روحي لا يمكن لأي مكسب مادي أن يحل محله. المجتمع الذي يقوم على الصدق هو مجتمع سليم، حيوي ومستقر. الكذب مثل السم الذي يأكل جذور المجتمع ويؤدي إلى عدم الثقة والفساد والدمار. القرآن يشير مرارًا إلى ضرورة الابتعاد عن الأفعال الفاسدة والمضرة، والكذب من أعظم مصاديق هذه الأفعال. إذًا، على الرغم من أن الكذب قد يبدو مغريًا على المدى القصير ويجلب منافع عابرة، إلا أنه من منظور القرآن، صفقة خاسرة. فأنت تستبدل الطمأنينة والثقة ورضا الله والسعادة الأبدية بمنافع غير مستقرة وبلا قيمة. الله يحب الصادقين وينصرهم في الدنيا والآخرة. لنتذكر أن 'قول الزور' (الكلام الباطل والكذب) هو من الأمور التي نهى الله المؤمنين عنها، وهذا النهي بسبب الأضرار الجسيمة التي يلحقها الكذب بالفرد والمجتمع. اختيار الصدق هو اختيار السعادة الدائمة ورضا الرب، حتى لو بدا في لحظة معينة أنه ضد مصلحتنا. هذا هو التقوى التي يطلبها الله منا، وجزاءها خير الدنيا والآخرة.
يُروى أن رجلاً ورعًا وموثوقًا به كان يبيع البضائع في سوق البصرة. ذات يوم، اقترب منه تاجر، يرغب في بيع سلعة له بسعر أقل من قيمتها الحقيقية، عبر حيلة معينة، طمعًا في تحقيق ربح كبير. فابتسم الرجل الورع وقال: "يا صاحبي، يقول سعدي: 'الصدق يجلب الرضا والرؤية الواضحة، والكذب يسبب الحقد والعداوة.' ربما اليوم تكسب مالاً بالكذب، ولكن غدًا ستفقد ثقة السوق وطمأنينة قلبك. أي ربح ذاك المال الذي لا بركة فيه ولا يترك القلب مرتاحًا؟" عند سماع هذا القول، شعر التاجر بالخجل وتراجع عن خطته. ومنذ ذلك الحين، التزم بالصدق، ووجد أن بركته وطمأنينته قد ازدادتا.