وضع الآخرين في مديونية بعد الأعمال الخيرية يقلل من قيمتها ويضر بالعلاقات الإنسانية.
يُعتبر القرآن الكريم مرجعاً أساسياً يجد فيه المسلمون توجيهاتهم في جميع جوانب الحياة. من بين تلك العلوم والأحكام، يبرز موضوع الصدقة والأعمال الخيرية كعنصر محوري في بناء المجتمع الإسلامي. فالصدقة تعتبر طعاماً للروح ووسيلة لاكتساب رضا الله عز وجل، وهي تساهم في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعديد من المحتاجين. إن تعريف الصدقة في الإسلام يتجاوز مجرد إعطاء المال أو المساعدات المالية، بل يشمل أيضًا مشاركة المشاعر والدعم النفسي والمعنوي، وهو أمر مهم للغاية في حياة المسلمين اليومية. يتمتع مفهوم الصدقة بعمق روحي وثقافي في الإسلام، حيث يشجع الدين الحنيف على العطاء دون انتظار مقابل. وعليه، يجب على كل مسلم أن يتذكر أن استيعاب معنى الصدقة لا يقتصر فقط على تقديم المساعدة، بل أيضًا يتعلق بالنوايا الطيبة خلف هذا العمل. في هذا السياق، يجب التأكيد على الجانب الحاسم الذي يتعين علينا الانتباه إليه، وهو تجنب وضع الآخرين في مديونية لنا بعد القيام بأعمال الخير. قال الله تعالى في الآية 264 من سورة البقرة: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّْ وَالْأَذَىٰ.' هذه الآية تبرز أهمية النية الخالصة في الأعمال الخيرية، وتحث على ضرورة الابتعاد عن أي شكل من أشكال التذكير أو الإيذاء بعد فعل الخير. إن التذكير بالعطاء يمكن أن يقلل من قيمة العمل الخيري ويؤثر سلبًا على النية التي أديت بها تلك الصدقة. فالتضرر من أثر المديونية بعد الحصول على المساعدة يمكن أن يسبب مشاعر سلبية قد تدوم لفترة طويلة بين المتبرع والمستفيد. من المفترض أن تكون الصدقة دليلاً على الكرم والعطاء، وليس وسيلة للسيطرة أو التلاعب بمشاعر الآخرين. فعندما يقوم الفرد بعمل الخير، عليه أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة وأن يكون هدفه هو طلب رضا الله ورفعة مكانته في العالم الآخر، وليس لاكتساب الثناء أو الاحترام من الآخرين. فـ 'كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ'، كما ورد في سورة المدثر، تُذكرنا بأن الأعمال تعد بمثابة دين يُحتسب على الفرد. ولذلك، يجب أن تُنفذ الأعمال الخيرية بحذر ونية صادقة، خالية من أي شوائب أو نوايا خفية. إن وضع الآخرين في مديونية نتيجة الأعمال الخيرية يمكن أن يؤثر في العلاقات الشخصية بشكل كبير. قد يؤدي ذلك إلى نشوء مشاعر الاحتقار أو الدونية عند الآخرين، وفي بعض الأحيان يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تفكك الروابط العائلية والصداقات. عندما يشعر الآخرون بأنهم مدينون لمن قدّم لهم المساعدة، يمكن أن تتأثر مشاعرهم وإحساسهم بالكرامة. إن التواصل الجيد والمثمر يعتمد على الاحترام المتبادل، وتجنب هذه المواقف السلبية يعتبر من الأمور الأساسية للحفاظ على العلاقات الإنسانية السليمة. عندما نتحدث عن الأفعال الخيرية، يجب أن تكون الركيزة الأساسية أن تكون النية خالصة لوجه الله، وأن يكون الهدف هو مساعدة الآخرين دون النظر إلى مقابل. فالأعمال الخيرية لا يجب أن تكون وسيلة لكسب النفوذ أو توسيع دائرة العلاقات بطريقة مصلحية. حب الله والعطاء يجب أن يتجاوزا الحدود المادية؛ لذا يجب أن يكون هناك اتساق بين المعتقدات الشخصية والفعاليات اليومية. علاوة على ذلك، من المهم أن نفهم أن القيام بعمل الخير وتوقع الاحترام أو التقدير من الآخرين، ليس فقط يؤذي أنفسنا ولكنه قد يؤذي أيضًا العلاقات التي نبنيها مع الأصدقاء والعائلة. يجب أن نسعى لتحقيق أي فعل خير من منطلق الشعور بالمسؤولية وزرع القيم الإيجابية، لأن هذا سيعود بالنفع على المجتمع بشكل عام. من الضروري إدراك أنه عندما نساعد الآخرين، يجب أن نقوم بذلك من منطلق التزام وإيمان وليس من أجل الحصول على تقييم أو تقدير. في النهاية، يجب علينا تجديد النية والوصول إلى فهم جيد لأهمية الصدقة والكرم في الدين الإسلامي. إن وضع الأعمال الخيرية في سياقها الصحيح يجعلنا مدركين لأهمية العطاء بدون توقعات، مما يعزز القيم الإنسانية ويحسن من صورة المجتمع ككل. لذا، دعونا نستمر في تقديم الأعمال الخيرية بكل إخلاص ونُخرجها من إطار العلاقات السطحية، نحو معاني أعمق وفهم أوسع لما يعنيه العطاء في الإسلام. إن الصدقة ليست فقط عطاءً ماديًا، بل هي سلوك راقٍ وحميد يُظهر الرحمة واللطف تجاه الآخرين ويُعزز من قيم العطاء والكرم في مجتمعاتنا.
في يوم من الأيام ، كان رجل يُدعى علي يمشي في الشارع ولاحظ امرأة مسنّة تكافح مع حمل ثقيل. دون تردد ، ساعدها علي وحمل عبئها. بعد الانتهاء ، شكرت المرأة علي ، فقال مبتسمًا: 'أشكر الله الذي أتاح لي المساعدة.' ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا ، لم يتحدث علي أبدًا عن هذا العمل وتعلم في قلبه أن الأعمال الجيدة يجب أن تؤدى بإخلاص ودون توقعات.