هل يمكن للإنسان تمييز الخير المطلق؟

لا يستطيع الإنسان تمييز الخير المطلق بشكل كامل دون الهداية الإلهية؛ فالخير المطلق ينبع فقط من علم الله اللامتناهي. القرآن والسنة يضيئان الطريق لفهم هذا الخير وتجسيده.

إجابة القرآن

هل يمكن للإنسان تمييز الخير المطلق؟

في الإجابة على سؤال ما إذا كان الإنسان يستطيع تمييز الخير المطلق، من الضروري أن ننظر إلى هذا الموضوع من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية. من وجهة نظر قرآنية، الخير المطلق متأصل في ذات الله تعالى وحده، وهو وحده الذي يمتلك المعرفة الكاملة واللازمة بجميع أبعاد الخير والشر. الله، خالق الكون والعليم المطلق، هو الحكم النهائي؛ فما يراه خيراً هو الخير المطلق بلا شك، وما يراه شراً هو الشر المطلق. في المقابل، الإنسان، على الرغم من القدرات الخارقة التي وهبها الله إياه، يمتلك قيوداً جوهرية في فهم الظواهر بشكل كامل وشامل. هذا القيد لا يشمل فقط معرفته بالمستقبل وعواقب الأمور، بل يؤثر أيضاً بشكل كبير على قدرته على تمييز الطبيعة الحقيقية للخير والشر. في كثير من الحالات، ما يبدو خيراً للإنسان في الظاهر، قد يكون في الباطن ومع مرور الوقت مصدراً لشرور ومشاكل عديدة. والعكس صحيح، فما يبدو صعباً أو غير سارٍ في البداية قد يؤدي في النهاية إلى خير وسعادة حقيقية. يشير القرآن الكريم بوضوح إلى هذه الحقيقة: أن الإنسان لا يستطيع بمفرده، ودون الهداية الإلهية، أن يدرك جميع جوانب الخير والشر. الآية 216 من سورة البقرة هي من أوضح الآيات في هذا الصدد، حيث تقول: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. هذه الآية تبين بوضوح أن المعايير الإنسانية لتمييز الخير والشر غالباً ما تكون ناقصة ومتأثرة برغباته ومعرفته المحدودة. بسبب طبيعته، يميل الإنسان إلى البحث عن الخير فيما هو ممتع وسهل ومربح، بينما يكمن الخير المطلق أحياناً في المسارات الصعبة، الصبر، والتضحية. يتطلب تمييز الخير المطلق بصيرة وحكمة تتجاوز الإدراكات الحسية والعقل الجزئي للإنسان. هذه الحكمة الإلهية، قد انتقلت إلى البشرية عن طريق الوحي وتعاليم الأنبياء. القرآن وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يعملان كمرشدين للإنسان لتمكينه من إيجاد طريق الخير والصلاح في حياته وتجنب الشرور. هذه الهداية الإلهية تقدم خارطة طريق شاملة لجميع أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية، من الأخلاق والعبادات إلى المعاملات والعلاقات الإنسانية. من ناحية أخرى، يمتلك الإنسان الفطرة الإلهية التي تدفعه نحو التوحيد والخير. هذه الفطرة هي الوجدان النقي والميل الفطري للعدل والإحسان الذي أودعه الله في كل إنسان. ولكن هذه الفطرة يمكن أن تتلوث وتنحرف عن مسارها الأصلي تحت تأثير عوامل خارجية مثل التربية الخاطئة، البيئة الفاسدة، ووساوس الشيطان. وبالتالي، فإن الاعتماد على الفطرة والوجدان وحدهما لا يكفي لتمييز الخير المطلق، بل تحتاج هذه الفطرة إلى الرعاية والتقوية من خلال التعاليم الإلهية. لذلك، يمكن القول إن الإنسان في حد ذاته، ودون مساعدة وإرشاد إلهي، لا يستطيع تمييز الخير المطلق بشكل كامل ومعصوم من الخطأ. يمكن للإنسان أن يصل إلى الخير النسبي وما يبدو نافعاً ظاهرياً، ولكن لبلوغ الفهم الكامل للخير المطلق، يحتاج إلى نور الوحي والإرشادات الربانية. هذه الإرشادات تساعد الإنسان على التحرر من فخ الأهواء النفسية والأحكام المتسرعة، وتوجهه إلى مسار يؤدي إلى السعادة الأبدية ورضا الرب. في الختام، التسليم للإرادة الإلهية والالتزام بأوامره هما مفتاح تحقيق الخير المطلق وعيش حياة مبنية عليه. هذا يتضمن فهم أن كل ما يقضي به الله، حتى لو بدا صعباً لنا، هو في النهاية خير، وأن طريق حياتنا مستنير بهدايته، يرشدنا من ظلمات الجهل والخطأ إلى نور الحقيقة. بعبارة أخرى، الخير المطلق لله وحده، والإنسان في ظل هدايته يمكنه التحرك نحو هذا الخير وتجسيده في حياته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن تاجراً ثرياً، عازماً على رحلة طويلة، انطلق مع قافلة. وفي الطريق، وجد فرصة ذهبية لتحقيق ربح هائل، كان لها بريق خادع، ولكنها في الحقيقة كانت طريقاً نحو صفقات غير مشروعة ومحرمة. فرح التاجر بهذه الفرصة كثيراً، واعتبر نفسه محظوظاً. وفي نفس الرحلة، التقى بشيخ صوفي حكيم، معروف بشجاعته وحكمته، يدعى 'الشيخ الصوفي'. تحدث التاجر عن صفقته إليه، متوقعاً الثناء. قال الشيخ بابتسامة حانية وكلمات عذبة: 'يا بني، ليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل فاكهة حلوة خالية من الدود الخفي. أحياناً، يزرع الربح السريع بذور الندم على المدى الطويل. الخير الحقيقي لا يكمن في تكديس المال وحده، بل في سلامة القلب ورضا الله تعالى.' التاجر، الذي كان قلبه متعلقاً بشدة بالدنيا، استاء من كلام الشيخ وأهمل نصيحته، ومضى في طريقه. انقلبت الأيام عليه، ووقع ذلك المشروع الذي بدا ذهبياً في شباك القانون والفضائح، فتبددت سمعته وسلامه. حينها تذكر كلمات الشيخ وأدرك أن الخير المطلق لم يكن فيما رغبه قلبه، بل فيما دلت عليه الحكمة الإلهية ونصيحة الأولياء. لقد رأى بعين بصيرته كيف أن الجهل والجشع قد منعاه من تمييز الخير الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة