هل ينسب القرآن وجود الشر إلى جهل الإنسان أم إرادته؟

ينسب القرآن الشر الأخلاقي بشكل أساسي إلى سوء استخدام الإنسان لإرادته الحرة واختياره. يمكن أن يكون الجهل عاملاً أيضًا، لكنه غالبًا ما ينبع من اختيار الإنسان لتجاهل الحقيقة أو إهماله في طلب العلم.

إجابة القرآن

هل ينسب القرآن وجود الشر إلى جهل الإنسان أم إرادته؟

في مواجهة قضية «الشر» المعقدة ومصدره، يقدم القرآن الكريم رؤية عميقة ومتعددة الأوجه تؤكد على كل من الإرادة البشرية الحرة وتأثير الجهل، ولكن غالبًا ما يكون الجهل نتيجة لسوء استخدام الإرادة. إن السؤال عما إذا كان الشر ينبع من الجهل أو من إرادة الإنسان واختياره يجاب عليه في التعاليم القرآنية بدقة خاصة. بشكل عام، ينسب القرآن الجذور الأساسية للشر الأخلاقي والفساد الاجتماعي إلى سوء استخدام الإنسان لموهبة إرادته واختياره، ولكنه في الوقت نفسه لا ينكر دور الجهل وعدم المعرفة، على الرغم من أن هذا الجهل غالبًا ليس حالة قسرية، بل هو نتيجة لخيارات متعمدة وإهمال بشري. لقد منح القرآن الكريم الإنسان بوضوح إرادة حرة وقوة اختيار. خلق الله الإنسان بقدرة على تمييز الخير من الشر، والهدى من الضلال، وأظهر له الطريق. ففي الآية 29 من سورة الكهف يقول تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»؛ وهذا يعني «وقل: الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.» هذه الآية تعيد بوضوح الاختيار وقوة الاختيار إلى الإنسان. وبالتالي، عندما يختار الإنسان بإرادته طريق الباطل، فإنه يرتكب الشر. فالأعمال مثل الظلم، والفساد، والكذب، والخيانة، والذنوب المختلفة، كلها تنبع من اختيارات الإنسان الإرادية. هذه الإرادة تمكّن الإنسان من النمو والارتقاء، ولكنها يمكن أن تقوده أيضًا إلى السقوط والدمار. الشر الأخلاقي في العالم هو نتيجة مباشرة للقرارات والأفعال التي يتخذها البشر بحريتهم الكاملة. كذلك، يؤكد القرآن الكريم أن الإنسان مسؤول عن أفعاله. الآيات 7 و 8 من سورة الزلزال توضح هذه الحقيقة: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»؛ أي «فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.» هذه الآيات تبيّن بوضوح أن عواقب الخير والشر تعود مباشرة إلى أفعال الإنسان نفسه. وإذا ظهر فساد في البر والبحر، فإن القرآن ينسبه إلى ما كسبت أيدي الناس: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» (سورة الروم، الآية 41)؛ وهذا دليل قاطع على أن المصدر الأساسي للشر هو أفعال الإنسان وخياراته. أما بالنسبة لدور «الجهل»، فإن القرآن لا يقدمه كعامل مستقل لإحداث الشر، بل غالبًا ما يعتبر الجهل نتيجة للإهمال، وعدم التفكير، والاختيار الواعي لتجاهل الحقيقة. فالإنسان يمتلك فطرة تسعى إلى الحق وعقلًا يمكنه من تمييز الحق من الباطل. فعندما يرتكب الإنسان خطأ بسبب الجهل، قد يكون هذا الجهل ناتجًا عن تقصيره في طلب العلم، أو عدم تدبره في آيات الله، أو تجاهله لتوجيهات الأنبياء. بعبارة أخرى، العديد من أنواع «الجهل» هي من قبيل «الجهل التقصيري»؛ أي الجهل الذي يكون الإنسان نفسه مسؤولاً عن إيجاده، وكان بإمكانه التغلب عليه بإرادته. على سبيل المثال، أولئك الذين يعصون الأوامر الإلهية بسبب الجهل، غالبًا ما يكون هذا الجهل ناتجًا عن عدم رغبتهم في اكتساب العلم والمعرفة. فالقرآن الكريم يدعو الناس مرارًا وتكرارًا إلى التفكير، والتعقل، والتدبر، وطلب العلم، ويذم أولئك الذين لا يستخدمون عقولهم ويبقىون في الجهل. للشيطان أيضًا دور في هذا السياق، فهو دور الوسوسة، لكن القرآن يصرح بأنه لا يملك أي سلطة على الإنسان لدفعه بالقوة نحو الشر. دور الشيطان هو مجرد الدعوة إلى الشر وتزيينه، والإنسان هو من يختار بإرادته قبول هذه الدعوة أو رفضها. ففي الآية 22 من سورة إبراهيم، يقول الشيطان لأهل النار يوم القيامة: «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي»؛ أي «وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي.» وهذه الآية تؤكد بوضوح على مسؤولية الإنسان وإرادته الحرة في قبول الشر أو رفضه. الخلاصة هي أن القرآن الكريم ينسب الشر الأخلاقي والفساد الناتج عنه بشكل أساسي إلى الإرادة الحرة والاختيارات الواعية للإنسان. وعلى الرغم من أن الجهل يمكن أن يؤدي إلى أفعال شريرة، فإن هذا الجهل غالبًا ما يكون بحد ذاته نتيجة لسوء استخدام العقل والإرادة الحرة، أو ينبع من إهمال متعمد وتجاهل للحقيقة. وبالتالي، فإن الجذر الأساسي للشر من منظور القرآن هو سوء استخدام الإنسان لموهبة الاختيار التي منحت له ليختار طريقه إلى السعادة أو الشقاء. وتعتبر هذه المسؤولية البشرية عن أفعالها هي أساس العدل الإلهي في الثواب والعقاب، وهي التي تمنح النظام الأخلاقي للعالم معناه. فالشر هو انحراف عن الفطرة النقية ونداء العقل والوحي، وهو انحراف يبدأ بإرادة الإنسان.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان يعيش أخوان في قرية ذات طبيعة خلابة. أحدهما اسمه «الحكيم»، الذي كان دائمًا يسعى وراء العلم والمعرفة ويقوم بأعماله بتفكير وتدبر، والآخر اسمه «الغافل»، الذي كان منشغلاً غالبًا برغباته ولا يلتفت إلى عواقب أفعاله. ذات يوم، جاء سيل مدمر إلى القرية، فدمر العديد من المنازل. الحكيم، بعد أن لاحظ علامات هطول أمطار غزيرة قبل أشهر، وبفضل علمه بمبادئ البناء، بنى منزله في مكان مرتفع ومتين. أما الغافل، فعلى الرغم من التحذيرات، وبسبب كسله وعدم تفكيره، بنى منزله في مسار السيل بمواد ضعيفة. عندما جاء السيل، بقي منزل الحكيم صامدًا، بينما دُمر منزل الغافل في لحظة. نظر الغافل إلى أخيه بحسرة وقال: «لماذا حدث هذا؟» فأجاب الحكيم بلطف: «أخي العزيز، السيل كان بلاءً طبيعيًا، لكن تدمير منزلك لم يكن بسبب الجهل المطلق، بل بسبب الإهمال وتجاهل التحذيرات، وتجاهل إرادة العقل السليم. كان بإمكانك، بالتفكير والخيارات الصحيحة، أن تحمي نفسك من هذه الخسارة الكبيرة. هذا هو ما يقوله القرآن: الشر يأتي من أفعال الإنسان نفسه.»

الأسئلة ذات الصلة