هل يتحدث القرآن عن حفظ الكرامة الإنسانية في جميع الظروف؟

يؤكد القرآن الكريم بشدة على الكرامة المتأصلة للإنسان في جميع الظروف. هذه الكرامة تنبع من خلق الإنسان الفريد وتشمل المساواة والعدل وتجنب الإهانة وصيانة حقوق الضعفاء.

إجابة القرآن

هل يتحدث القرآن عن حفظ الكرامة الإنسانية في جميع الظروف؟

نعم، يتحدث القرآن الكريم بشكل صريح وتأكيد شديد على حفظ وصيانة الكرامة الإنسانية في جميع الظروف ولكل فرد، بغض النظر عن العرق، الجنس، العقيدة، أو الوضع الاجتماعي. هذا الموضوع هو أحد الأركان الأساسية للنظرة الكونية القرآنية، وقد أشارت إليه آيات عديدة في جوانب مختلفة. أساس الكرامة الإنسانية في القرآن ينبع من خلق الإنسان المميز. لقد خلق الله تعالى الإنسان بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وجعله خليفته في الأرض. هذه المفاهيم تمنح الإنسان مكانة خاصة في نظام الوجود، وتميزه عن سائر المخلوقات. في سورة الإسراء، الآية 70، يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾. هذه الآية تُعبر بوضوح عن إعطاء الكرامة الذاتية من قبل الله لجميع بني آدم. هذه الكرامة الموهوبة إلهيًا تشكل الأساس لجميع الحقوق والواجبات الإنسانية، ولا يحق لأحد سلبها أو انتهاكها. لحفظ هذه الكرامة المتأصلة، يقدم القرآن العديد من الإرشادات والتعاليم العملية التي تشمل الأبعاد الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، وحتى العسكرية. في البعد الاجتماعي، يؤكد القرآن على مبدأ المساواة بين البشر. ففي سورة الحجرات، الآية 13، جاء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. هذه الآية تنفي أي نوع من أنواع التفاخر على أساس العرق، أو اللون، أو الثروة، أو الوضع الاجتماعي، وتقدم التقوى والخشية من الله كمعيار وحيد للتفاضل. هذا المبدأ هو حجر الزاوية لمجتمع عادل وكريم، يُحترم فيه كل فرد ويُقدر بغض النظر عن الاختلافات الظاهرية. وكذلك، يدين القرآن بشدة أي شكل من أشكال التحقير، أو السخرية، أو الغيبة، أو سوء الظن. ففي سورة الحجرات، الآيتان 11 و 12، جاء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾. هذه الآيات تنهى بشدة عن السلوكيات الاجتماعية التي تضر بكرامة الإنسان. حتى في الظروف الصعبة مثل الحرب، والأسر، والفقر، يؤكد القرآن على حفظ الكرامة الإنسانية. فيما يتعلق بأسرى الحرب، أمر الإسلام بمراعاة حقوقهم، وإطعامهم، ومعاملتهم بلطف. ففي سورة الدهر، الآية 8، يقول الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾. هذا التعبير لا يشير فقط إلى توفير الاحتياجات الأساسية، بل يؤكد على الإطعام بمحبة واهتمام بكرامتهم. كذلك، يؤكد القرآن على ضرورة تطبيق العدل المطلق في جميع الظروف، حتى مع الأعداء. في سورة المائدة، الآية 8، نقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. هذه الآية تبيّن أن حتى كراهية قوم لا ينبغي أن تمنع تنفيذ العدل وحفظ كرامتهم الإنسانية. أخيرًا، يشير القرآن أيضًا إلى حرية العقيدة وعدم الإكراه في الدين، وهو بحد ذاته من أعلى مستويات احترام الكرامة الإنسانية. الآية 256 من سورة البقرة، ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، تُعبر عن هذا المبدأ بوضوح. هذه مجرد أمثلة قليلة على تأكيد القرآن على الكرامة الإنسانية في جميع جوانب الحياة وفي كل الظروف. هذه الكرامة هي حق متأصل وواجب أخلاقي يجب على المؤمنين أن يلتزموا به ويصونوه دائمًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في يوم من الأيام، كان ملك عظيم يجلس على عرشه الملكي، محاطًا بجمع من الأعيان والوزراء وكبار الشخصيات. في هذه الأثناء، أقبل شيخ كبير السن، أشعث متعب، تفوح رائحة الفقر من ثيابه، وطلب مقابلة الملك ليقضي له حاجة. فنظر إليه أحد رجال البلاط بغرور وازدراء، وقال بصوت عالٍ: «أيها الشيخ، كيف تجرؤ على الظهور أمام الملك بهذه الهيئة؟ هذا مقام رفيع، ومن أنت؟» أجاب الشيخ بهدوء وابتسامة على شفتيه: «أنا أيضًا إنسان من نسل آدم، وهذه الثياب الممزقة لا تدل على تمزق باطني. إذا كانت الملكية تقتضي الثياب الفاخرة فقط، فإن كرامة الإنسان ليست في لباسه، بل في جوهره.» اندهش الملك من كلمات الشيخ الحكيمة، وغضب على رجله، وقال له: «اصمت! ألم تسمع أن الله قد كرم بني آدم؟ الكرامة في الجوهر لا في الثياب والمكانة. هذا الشيخ، بمظهره المتواضع، يمتلك روحًا عظيمة تجهلها.» ثم رحب بالشيخ باحترام وقضى حاجته، وعلم رجال بلاطه أن المظهر لا يكون أبدًا معيارًا لتقييم الناس، ويجب صيانة كرامة الجميع في جميع الظروف.

الأسئلة ذات الصلة