هل يؤيد القرآن العمل التطوعي؟

يؤيد القرآن الكريم بقوة روح ومفهوم العمل التطوعي، وإن لم يرد المصطلح الصريح. يتجلى هذا التأييد من خلال التأكيد على مفاهيم مثل التعاون على البر والتقوى، والإحسان، والإنفاق في سبيل الله، والعمل الصالح، وجميعها تشجع على بذل الوقت والجهد من أجل الخير العام دون توقع مادي.

إجابة القرآن

هل يؤيد القرآن العمل التطوعي؟

القرآن الكريم، بصفته كتاب هداية للمسلمين، يؤيد ويشجع بقوة ووضوح كل عمل خير يعود بالنفع على الفرد والمجتمع. ورغم أن مصطلح "العمل التطوعي" قد لا يظهر صراحة بهذا اللفظ في القرآن، إلا أن روحه وجوهره يتجليان بوضوح في تعاليم وآيات عديدة. فالعمل التطوعي هو في الحقيقة أحد أبرز صور "الإحسان"، و"البر"، و"التعاون على البر والتقوى"، و"الإنفاق في سبيل الله"، و"العمل الصالح"، التي يشدد عليها القرآن بقوة. ويعتبرها علامات على الإيمان الحقيقي والقرب من الله. هذه التعاليم لا تدفع الأفراد نحو مساعدة الآخرين فحسب، بل تبني مجتمعاً قائماً على التضامن والتعاطف، حيث يدرك كل فرد مسؤوليته الاجتماعية ويسعى لتحقيق الخير العام. من أوضح الآيات في هذا السياق، الآية الثانية من سورة المائدة التي تقول: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». هذه الآية تدعو المؤمنين صراحة إلى التعاون والمساعدة المتبادلة في أعمال الخير والتقوى، وتنهى عن التعاون في الإثم والعدوان. وكلمتا "البر والتقوى" شاملتان، تتضمنان كل عمل خير ومفيد ومُرضٍ لله. والعمل التطوعي، الذي يعني بذل الوقت والقدرة والمعرفة والمال دون توقع مادي لمساعدة المحتاجين، أو تحسين المجتمع، أو حماية البيئة، أو نشر العدل، يندرج تماماً ضمن هذا "التعاون على البر والتقوى". فالقرآن بهذه الآية يؤسس مبدأً اجتماعياً أساسياً يمنع أي شكل من أشكال الانعزال واللامبالاة الفردية، ويشجع الروح الجماعية لبناء عالم أفضل. ولا يقتصر هذا التعاون على المساعدات المالية فحسب، بل يشمل كل مشاركة عملية وفكرية لحل مشاكل واحتياجات بني الإنسان. إضافة إلى ذلك، في سورة البقرة، الآية 177، يتم تفصيل مفهوم "البر" (الخير والإحسان) ليشمل دائرة واسعة من الأعمال التي يمكن أن تكون بطبيعتها تطوعية: «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ۚ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ». هذه الآية لا تحصر البر في الشعائر الدينية فقط، بل تربطه بالإيمان بالله وتقديم العون "لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب". إن بذل المال والوقت والجهد لهذه الفئات هو مثال واضح للعمل التطوعي. يمكن أن تتخذ هذه المساعدات أشكالاً متنوعة، بما في ذلك تعليم الأطفال الأيتام، رعاية المرضى، إيواء المشردين، أو مساعدة المسافرين المحتاجين. إن تأكيد القرآن على الإنفاق من المال رغم حبه يدل على الإيثار والعطاء الطوعي، وهو جوهر العمل التطوعي. الإنفاق في سبيل الله مفهوم أساسي آخر يشمل العمل التطوعي. ففي آيات متعددة، يشجع القرآن المؤمنين على الإنفاق والعطاء، ويعدهم بأجر عظيم. تقول الآية 261 من سورة البقرة: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ». ورغم أن هذه الآية تشير مباشرة إلى الإنفاق المالي، إلا أن مفهوم "في سبيل الله" يمكن أن يشمل أي بذل للقدرات والوقت، لأن كل ذلك يتم في سبيل الأهداف الإلهية وخدمة الخلق. العمل التطوعي هو أيضاً نوع من الإنفاق؛ إنفاق من الوقت والطاقة والمهارات التي وهبها الله للإنسان. وهذا الإنفاق يؤدي إلى تطهير الروح والنمو الروحي للفرد، ويجلب البركات للمجتمع. كذلك، تصور سورة الإنسان، الآيتين 8 و 9، الإخلاص في العمل التطوعي بجمال: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا». تظهر هاتان الآيتان أن الصالحين يطعمون الفقير واليتيم والأسير على الرغم من حاجتهم هم أنفسهم للطعام، وهدفهم الوحيد هو وجه الله، لا يطلبون جزاءً ولا شكوراً من الناس. وهذا بحد ذاته نموذج لا يُضاهى للعمل التطوعي الذي يتم بأقصى درجات الإخلاص ودون أي توقع من المخلوق. هذا النهج لا يضاعف القيمة الروحية للعمل فحسب، بل يحوله إلى نشاط يؤدي قبل كل شيء إلى السلام الداخلي والرضا الإلهي. في الختام، يؤكد القرآن الكريم بشدة على أهمية "العمل الصالح" إلى جانب الإيمان ويعد عليه بأجر عظيم. والعمل التطوعي هو مصداق واضح للعمل الصالح الذي يحسن حياة الفرد والمجتمع. فالقرآن يعتبر الإنسان كائناً اجتماعياً لديه مسؤولية متبادلة تجاه الآخرين. ومساعدة الآخرين، وتلبية احتياجاتهم، والمشاركة في أعمال الخير، هي من الأعمال التي تقرب الإنسان إلى الله وتعده بالجنة. هذه التعاليم القرآنية توفر دافعاً قوياً للأفراد لاستخدام قدراتهم ومواردهم لخدمة البشرية، وفي النهاية، تحقيق السعادة الدنيوية والأخروية. لذا، يمكن القول بثقة تامة أن القرآن لا يدعم العمل التطوعي فحسب، بل يعتبره جزءاً لا يتجزأ من الإيمان والتقوى ويقدره عالياً.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى في گلستان سعدي أن درويشين خرجا في رحلة؛ أحدهما كان قوياً والآخر ضعيفاً ومريضاً. ولما وصلا إلى صحراء لا ماء فيها، حمل الدرويش الأقوى رفيقه الضعيف على ظهره وقال: "حمل أخي خير من حمل الندم". هذه الحكاية الجميلة توضح أن مساعدة بني الإنسان في طريق الحياة، حتى لو كانت تنطوي على مشقة، لها قيمة أعلى من اللامبالاة والندم. فالمساعدة التطوعية للآخرين هي جوهر الإنسانية وطريق الوصول إلى السلام الداخلي والرضا، لأن في كل خطوة منها خير يعود على الفرد نفسه.

الأسئلة ذات الصلة