هل يتحدث القرآن عن الأخبار الكاذبة (Fake News)؟

القرآن، وإن لم يذكر صراحة مصطلح «الأخبار الكاذبة»، إلا أنه يقدم مبادئ قوية لمكافحة التضليل والكذب، مؤكداً على ضرورة التحقق، وتجنب الشائعات والافتراء، وعدم اتباع ما ليس للإنسان به علم. هذه التعاليم ترشدنا للتعامل بمسؤولية ودقة مع كل معلومة.

إجابة القرآن

هل يتحدث القرآن عن الأخبار الكاذبة (Fake News)؟

في العصر الحديث، حيث تتزايد سرعة انتشار المعلومات بشكل هائل وتتلاشى الحدود بين الحقيقة والكذب أحيانًا، أصبح مفهوم «الأخبار الكاذبة» أو «Fake News» أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات. قد لا يرد مصطلح «الأخبار الكاذبة» تحديدًا في القرآن الكريم، لأن هذا الكتاب السماوي نزل في زمن لم يكن فيه مفهوم الإعلام ونشر المعلومات موجودًا بالشكل العصري. ومع ذلك، بالنظر بعمق إلى تعاليم القرآن، نجد بوضوح أن هذا الكتاب الهادي يقدم مبادئ واضحة وقوية للتعامل مع المعلومات والأخبار والشائعات، والتي تواجه بشكل أساسي مشكلة الأخبار الكاذبة وتوفر استراتيجيات شاملة لتحديدها ومواجهتها. هذه المبادئ هي، في جوهرها، حجر الزاوية لمجتمع صحي قائم على الحقيقة والعدل، والالتزام بها أصبح أكثر حيوية من أي وقت مضى في عالمنا اليوم. تُعد الآية السادسة من سورة الحجرات من أبرز وأصرح الآيات التي ترشدنا في هذا المجال. يقول الله تعالى في هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ؛ يا أيها الذين آمنوا، إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». هذه الآية تضع مبدأً ذهبيًا في أخلاقيات التواصل واستقبال المعلومات. يشير مصطلح «فاسق» هنا إلى الشخص الذي خرج عن طريق الحق والعدل ولا يلتزم بالتقوى. يأمر الله المؤمنين بألا يثقوا بسهولة في الأخبار والمعلومات التي تأتي من مثل هذا المصدر. بل عليهم أن «يتبيّنوا» و«يتثبتوا» بدقة؛ أي أن يبحثوا عن الحقيقة، وألا يقبلوا أي خبر أو يتصرفوا بناءً عليه حتى يتم التأكد من صحته. رسالة هذه الآية حيوية أكثر من أي وقت مضى في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الأخبار بسرعة من كل اتجاه ومن مصادر مجهولة أو غير موثوق بها. عدم الالتزام بهذا المبدأ يؤدي إلى «الجهالة» و«الندم»؛ الجهالة تعني التصرف بناءً على الجهل وعدم المعرفة، والندم على العواقب الضارة التي يسببها هذا التصرف غير المعلوم، سواء كان ذلك بحق فرد، أو عائلة، أو مجتمع. ويكتسب هذا الأمر أهمية مضاعفة في القضايا المتعلقة بالسمعة، والأموال، والعلاقات الاجتماعية، حيث يمكن أن يلحق الضرر الذي لا يمكن إصلاحه بسمعة الأفراد أو يسبب الفرقة وسوء الظن داخل المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يتناول القرآن الكريم بدقة وصرامة خاصة موضوع «الشائعات» و«الافتراء»، التي تُعد شكلاً آخر من «الأخبار الكاذبة» ويمكن أن تزعزع أسس المجتمع. حادثة «الإفك» أو الافتراء الباطل الذي وُجّه إلى زوجة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عائشة، والمشار إليه بالتفصيل في الآيات 11 إلى 19 من سورة النور، هو مثال بارز على موقف القرآن من هذه الظاهرة. في هذه الآيات، يندد الله بشدة بمن ينشرون الأكاذيب والاتهامات دون دليل أو شاهد معتبر، وينبه إلى العواقب الوخيمة لذلك. يؤكد القرآن في هذه القصة لماذا لم يحسن المؤمنون والمؤمنات الظن بأنفسهم عند سماع مثل هذه الشائعات، ولماذا قبلوها وساعدوا في نشرها بسهولة؟ يقول الله تعالى: «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَیْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْکٌ مُّبِینٌ؛ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين» (النور، 12). تُظهر هذه الآية أن واجب المؤمن ليس فقط الامتناع عن نشر الأخبار الكاذبة، بل يجب عليه أيضًا، عند سماعها، أن ينظر إليها بعين الشك ويحسن الظن بإخوانه المسلمين لمنع انتشار الباطل. في هذه الآيات، يُطلب أربعة شهود عدول لإثبات مثل هذه المزاعم، مما يدل على جدية وأهمية الحفاظ على كرامة الأفراد ومنع انتشار الفاحشة والفوضى في المجتمع. هذا النهج يغلق الباب أمام أي شكل من أشكال نشر الأخبار الكاذبة التي تهدف إلى تشويه الشخصيات أو إثارة النفاق في المجتمع، ويؤكد على المسؤولية الجماعية تجاه المعلومات. يؤكد القرآن أيضًا بشكل عام على ضرورة «العلم» و«الوعي» في القول والسلوك. يقول الله تعالى في الآية 36 من سورة الإسراء: «وَلَا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولَئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا؛ ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا». هذه الآية تعبر عن مبدأ أوسع وهو أنه لا ينبغي للإنسان أن يؤمن بشيء أو يتبعه دون علم كافٍ ويقين. هذا المبدأ ينطبق أيضًا على الأخبار والمعلومات. قبل تصديق أي خبر ونشره، يجب التأكد من صحته، ولا يجوز نقله للآخرين دون «علم» و«يقين». في الواقع، تؤكد هذه الآية على المسؤولية الفردية تجاه المحتوى الذي يستقبله الشخص ويعيد نشره؛ لأنه في يوم القيامة، سيُسأل كل أذن وعين وقلب عن كيفية استخدامهما. تشمل هذه المسؤولية التحقق من دقة المعلومات والتمييز بين الحقيقة والكذب، وكذلك الامتناع عن نشر محتوى ضار أو لا أساس له. نتائج وعواقب الأخبار الكاذبة والشائعات من منظور القرآن وخيمة للغاية. هذه الأفعال لا تُعد ذنبًا فحسب، بل يمكن أن تؤدي إلى «الفتنة» (الاضطراب والفوضى) و«الفساد» (التلف والإفساد) في المجتمع. يعارض القرآن بشدة كل ما يؤدي إلى الفساد واضطراب النظام العام والسلام. فنشر الأكاذيب يزرع بذور النفاق وعدم الثقة، ويضر بالعلاقات الإنسانية، ويمكن أن يؤدي إلى الظلم والاضطهاد ضد الأبرياء. لهذا السبب، يدعو القرآن المؤمنين إلى «قول سديد» (القول الثابت والصحيح) في سورة الأحزاب الآية 70، و«قول معروف» (القول الحسن واللائق) في سورة البقرة الآية 263، وكلاهما يتضمن تجنب الكذب والشائعات وقول الحقيقة. هذه التوصيات ضرورية لبناء مجتمع قائم على الصدق والثقة والاحترام المتبادل. في الختام، يمكن القول إن القرآن الكريم، على الرغم من أنه لم يستخدم مصطلح «الأخبار الكاذبة»، إلا أنه بحكمته وعمقه الفريدين، قدم مبادئ وقواعد متينة للتعامل مع ظواهر مشابهة لها. فمن التأكيد على ضرورة «التحقيق والتبين» في مواجهة الأخبار المشبوهة، إلى الإدانة الشديدة «للافتراء» و«إثارة الشائعات»، وإلزام «العلم» و«الوعي» في جميع الأفعال والأقوال، يقدم القرآن استراتيجية شاملة للحفاظ على السلامة المعلوماتية والأخلاقية للمجتمع. تدعو هذه التعاليم المسلمين إلى تبني نهج نقدي ومسؤول تجاه المعلومات التي يتلقونها، وتحميهم من الوقوع فريسة للأكاذيب والخداع، ومن أن يصبحوا أداة لنشر الباطل. لذلك، من منظور قرآني، فإن مكافحة الأخبار الكاذبة ليست ضرورة اجتماعية فحسب، بل هي واجب شرعي وأخلاقي متأصل في التقوى والإيمان والمسؤولية الفردية والجماعية تجاه الله والمجتمع. يساعدنا هذا النهج في إيجاد طريق نحو الحقيقة والسلام في عالم يعج بالمعلومات.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في مدينة صاخبة ذات يوم، أطلق رجل إشاعة لا أساس لها عن تاجر ثري. زعم أن التاجر استولى على أموال الناس ظلماً وجمع ثروته بالغش والخداع. انتشر هذا الكلام كالنار في الهشيم بين الناس، ولطّخ سمعة التاجر الطيبة. الكثيرون، دون تحقيق، صدقوا هذه الكذبة وتجنبوه. إلى أن جاء حكيم، كان يراقب الموقف من بعيد، وقال للناس: «يا قوم، ما أعجب أمركم كيف تقبلون الكلام دون أن تتحققوا من صحته أولاً! هل رأى أحد منكم شاهداً على هذا الادعاء؟ أم وجد دليلاً على هذا الاحتيال؟» ثم ذهب إلى الرجل مروّج الشائعات وقال له: «لماذا نطقت بمثل هذا الكلام الذي أشعل نار الفتنة في القلوب؟ ألا تعلم أن اللسان إما مفتاح كنز الحقيقة أو أداة للدمار؟» ندم الرجل مروّج الشائعات على فعله، وأدرك الناس خطأهم وفهموا أنه يجب عليهم التأكد من صحة أي خبر قبل تصديقه. وهكذا، عاد الهدوء إلى السوق، وارتفع الظلم عن التاجر. هذه الحكاية، المستوحاة من حكمة السعدي، تذكرنا دائماً بأهمية الصدق وتجنب الكلام الباطل أو الضار.

الأسئلة ذات الصلة