لم يتحدث القرآن الكريم عن الإنترنت مباشرة، لكن مبادئه الشاملة حول قوة وخطورة الكلمات تنطبق تمامًا على تفاعلاتنا في الفضاء الافتراضي. وهذا يشمل تجنب الغيبة والافتراء، والتأكيد على الصدق والتحقق في القول.
القرآن الكريم، بصفته كلام الله ودليلًا أبديًا للبشرية، قد وضع مبادئ للحياة الأخلاقية والاجتماعية والفردية تتجاوز الزمان والمكان والتكنولوجيا. وفي الإجابة على السؤال عما إذا كان القرآن قد تحدث عن قوة وخطورة الكلمات على الإنترنت، يجب القول إنه بشكل مباشر وبذكر مصطلحات مثل «الإنترنت» أو «الفضاء السيبراني» أو «وسائل التواصل الاجتماعي»، فإن القرآن الكريم لم يشر إلى هذه الظاهرة الحديثة. وهذا أمر طبيعي، حيث نزل القرآن قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، ولم تكن تقنيات الاتصال الحديثة موجودة في ذلك الوقت. ومع ذلك، يمكن التأكيد بوضوح أن مبادئ وتعاليم القرآن الشاملة بخصوص أهمية الكلمات والقول وقوتها ومسؤوليتها ومخاطرها، تنطبق بشكل عملي وحيوي تمامًا على تفاعلاتنا في الفضاء الافتراضي. فالقرآن يتناول طبيعة الإنسان وعلاقاته بنفسه وبالآخرين وبخالقه، ويقدم إرشادات تغطي جوهر التواصل الإنساني في أي سياق، سواء كان حضوريًا أو افتراضيًا. يؤكد القرآن بوضوح على أهمية الكلمة وقوتها. فالكلمات يمكن أن تكون بناءة، ويمكن أن تقرب القلوب، وتنشر المعرفة، وتدعو إلى الخير، وتكون هادية. وعلى النقيض من ذلك، يمكن للكلمات أن تكون مدمرة، تبذر بذور الكراهية والعداوة، وتشوّه سمعة الناس، وتحرف الحقيقة، وتسبب الفتنة والفساد. وقد تناول الله هذا الموضوع في آيات عديدة. فعلى سبيل المثال، يدعو القرآن مرارًا وتكرارًا المؤمنين إلى القول الحسن، والقول اللين، والقول السديد، والقول الكريم. هذه التوصيات تعني أنه حتى في ذروة الخلافات والتحديات، يجب المحافظة على الأدب والاحترام في الكلام. من ناحية أخرى، يحذر القرآن بشدة من مخاطر الكلمات الكاذبة والاتهامية والمدمرة. ومن أخطر القضايا التي أشار إليها القرآن هي قضية الغيبة. فالله يقول في سورة الحجرات، الآية 12: «وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ». هذا التشبيه المؤثر جدًا يوضح مدى قبح الغيبة وبشاعتها. وفي الفضاء الافتراضي، يتم الغيبة ونشر الشائعات التي لا أساس لها وتشويه سمعة الأفراد من وراء الشاشات بسهولة مذهلة. فمنشور واحد أو تعليق واحد أو رسالة في المجموعات الافتراضية يمكن أن يدمر سنوات من جهد الفرد، ويمكن أن يتعرض الشخص للاتهام والغيبة دون أن يكون حاضرًا. ويعلن القرآن صراحة أن هذا الفعل محرم وذنب عظيم، سواء في العالم الحقيقي أو في الفضاء الافتراضي. كما أن قضية «الإفك» أو نشر الأكاذيب والاتهامات الكبرى، خاصة في قصة يوسف عليه السلام وكذلك في حادثة «الإفك» المتعلقة بزوجة النبي صلى الله عليه وسلم، قد تم ذمها بشدة. فنشر الأخبار الكاذبة، والشائعات التي لا أساس لها، والمعلومات غير الصحيحة بهدف إيذاء الآخرين، أو حتى لمجرد زيادة المتابعين والمشاهدات، كلها أمثلة لهذه الذنوب الكبيرة التي تتواجد بكثرة في الفضاء الافتراضي. يؤكد القرآن أيضًا على ضرورة «التبين» أو «التثبت» (التحقيق والتدقيق) عند سماع أي خبر. ففي سورة الحجرات، الآية 6، يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». هذه الآية في عصر الإنترنت، حيث سرعة انتشار المعلومات (سواء كانت صحيحة أو خاطئة) مذهلة، تحظى بأهمية بالغة. فقبل إعادة نشر أي محتوى، أو أي خبر، أو أي اتهام، فإن واجبنا الأخلاقي والديني هو التأكد من صحته، لأن مسؤولية كل كلمة تُنشر تقع على عاتق من قام بنشرها. وعلاوة على ذلك، يقول القرآن في سورة ق، الآية 18: «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». هذه الآية تذكير بمسؤولية الإنسان الكاملة عن كل كلمة وجملة ينطق بها أو يكتبها. ففي الفضاء الافتراضي، حيث يعتقد الكثيرون أنهم مجهولون أو لن يتعرضوا للمساءلة، فيلجأون بسهولة إلى الشم والسباب والإهانة والافتراء ونشر الأكاذيب، تظل هذه الآية سارية المفعول وتحذر الإنسان بأن حتى أصغر كلمة منه تُسجل وتُدوّن وسيُحاسب عليها يوم القيامة. هذا المبدأ ينطبق بشدة على أي نشاط في وسائل التواصل الاجتماعي، أو إرسال الرسائل، أو كتابة التعليقات، أو نشر المنشورات. باختصار، يمكن القول إنه على الرغم من أن القرآن لم يشر مباشرة إلى الإنترنت، إلا أن مبادئه وأخلاقياته كافية تمامًا للاستخدام الصحيح والمسؤول لهذه التكنولوجيا الحديثة. هذه المبادئ تشمل الامتناع عن الغيبة والاتهام ونشر الأكاذيب والقول بغير علم والسخرية من الآخرين، وبدلاً من ذلك تؤكد على القول الحسن والصادق والمحترم والتحقيق في الأخبار. فالإنترنت، كأداة، يضع قوة الخير والشر في يد المستخدم، والإنسان هو الذي يجب عليه، بالالتزام بتعاليم القرآن، أن يستغل هذه الأداة لنشر الحقيقة والعلم والسلام والصداقة، وأن يتجنب تحويلها إلى مكان للفتنة والفساد. ولذلك، فإن إرشادات القرآن بشأن قوة ومخاطر الكلمات ليست فقط قابلة للتطبيق في العالم الحقيقي، بل هي ضرورية وعملية للغاية في عالم الإنترنت الواسع.
ذات يوم، سأل ملكٌ وزيرًا حكيمًا: «في رأيك، ما هو أفضل وأسوأ شيء في الإنسان؟» ففكر الوزير قليلًا وقال: «أفضل وأسوأ شيء هو اللسان.» سأل الملك بدهشة: «كيف يمكن لشيء واحد أن يكون الأفضل والأسوأ في آن واحد؟» أجاب الوزير: «أيها الملك! باللسان يمكن توطيد روابط المحبة وتقريب القلوب، ويمكن تعلم ونشر العلم والحكمة، والهدى إلى الخير، ويمكن مساعدة المظلوم وتمييز الحق من الباطل. هذا اللسان هو أفضل أداة للخير. ولكن هذا اللسان نفسه، إذا استُخدم بتهور وبغير حساب، يمكن أن يفتري، ويكذب، ويغتاب، ويسقط سمعة الناس، ويخلق الحقد، ويثير الفتنة. بكلمة واحدة غير مناسبة، يمكن تحويل الصداقات إلى عداوات، وتعكير صفو السلام. فاللسان الذي يُستخدم في سبيل الحق والخير هو الأفضل، واللسان الذي يُستخدم في سبيل الشر والفساد هو الأسوأ.» سر الملك بهذا القول الحكيم، وأدرك أن كل كلمة هي سيف ذو حدين؛ يجب استخدامها بحذر ووعي، وهذا الدرس أصبح أكثر قيمة من أي وقت مضى في عالمنا اليوم حيث تنتقل الكلمات بسرعة الضوء في الفضاء الافتراضي.