كيف يتم تناول آفات اللسان في القرآن الكريم؟

يتناول القرآن الكريم آفات اللسان بالتفصيل مثل الغيبة والسخرية والكذب والافتراء، ويدينها بشدة. كما يؤكد على مسؤولية الإنسان عن كل كلمة تُقال وضرورة تجنب الكلام الباطل.

إجابة القرآن

كيف يتم تناول آفات اللسان في القرآن الكريم؟

اللسان، هذا العضو الصغير ولكن القوي للغاية في جسم الإنسان، يمكن أن يكون أداة للخير والبناء، كما يمكن أن يكون مصدرًا للشر والفساد. القرآن الكريم، الذي هو كتاب الهدى ودليل حياة البشر، يتناول بدقة ولباقة خاصة أهمية الكلام، والمسؤولية عن ما ننطق به، وكذلك الآفات والأخطار العديدة للسان. تعاليم القرآن في هذا الصدد لا تقتصر فقط على استنكار الخطايا اللفظية الواضحة، بل تشمل أيضًا التشجيع على الكلام الطيب، واجتناب اللغو، والتذكير بالمسؤولية عن كل كلمة تُقال. إن تأكيد القرآن على ضبط اللسان يدل على أن سلامة المجتمع والفرد تعتمد إلى حد كبير على سلامة الكلام والابتعاد عن الشوائب اللفظية. من أوضح وأقبح آفات اللسان التي استنكرها القرآن صراحة هي الغيبة، أي التحدث بسوء عن الآخرين في غيابهم. في سورة الحجرات، الآية 12، يشبه الله تعالى الغيبة تشبيهًا صادمًا، فيجعلها كأكل لحم الأخ الميت: "...وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". هذا التشبيه يظهر عمق قبح هذا الفعل؛ فكما أن أكل لحم الميت مكروه ومنفر، فإن الغيبة كذلك مكروهة ومبغوضة عند الله. الغيبة لا تنتهك حرمة الأفراد فحسب، بل تزرع بذور الكراهية والشك والفرقة في المجتمع، وتضعف التماسك الاجتماعي. بهذا البيان القوي، ينهى القرآن المؤمنين بشدة عن هذه الخطيئة ويذكرهم بأن الله تواب رحيم، ولكن قبل ذلك يجب الامتناع عن هذا الفعل الشنيع. السخرية والاستهزاء هي آفة لسانية أخرى تناولها القرآن. في نفس سورة الحجرات، الآية 11، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". تنهى هذه الآية بوضوح رجال ونساء المؤمنين عن السخرية والعيوب عن بعضهم البعض، لأنه قد يكون من يُسخر منه أفضل عند الله. هذا الفعل لا يسبب الإيذاء والإهانة للأفراد فحسب، بل يؤدي إلى شعور زائف بالتفوق وتدمير العلاقات الإنسانية. من خلال التأكيد على عدم تحقير الآخرين، يسعى القرآن إلى الحفاظ على كرامة الإنسان وتعزيز الاحترام المتبادل في المجتمع الإسلامي. الكذب هو أيضًا من الكبائر اللسانية التي نهى عنها القرآن الكريم بشدة. الكذب هو أساس انعدام الثقة، والفساد، والانهيار في المجتمع. يقول الله في سورة النحل، الآية 105: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ". هذه الآية تنسب الكذب صراحة إلى الذين لا يؤمنون بآيات الله. الكذب لا يبعد الفرد عن الحقيقة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى فقدان المصداقية وثقة الآخرين. يؤكد القرآن تأكيدًا كبيرًا على الصدق والقول الحق، ويعتبرهما من علامات الإيمان والتقوى. الكذب يمكن أن يدمر العلاقات الأسرية، والاجتماعية، وحتى السياسية، ويزيل الأمن والسلام. الافتراء والبهتان، ويعني نسبة شيء باطل إلى شخص ما، قد نُهي عنه بشدة في القرآن. هذه الخطيئة تُناقش بشكل خاص في سورة النور، الآية 4، حيث تحدد عقوبة صارمة للمفترين على النساء العفيفات: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". الافتراء لا يدمر سمعة الأشخاص فحسب، بل يمكن أن يؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها للضحية وعائلتها. بوضع هذه الأحكام، يحمي القرآن كرامة وسمعة المؤمنين ويصون المجتمع من الانتشار العشوائي للأخبار الكاذبة والإشاعات السامة. بالإضافة إلى ذلك، يشير القرآن إلى المسؤولية العامة للإنسان عن كلامه. في سورة ق، الآية 18، جاء: "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ". توضح هذه الآية بوضوح أن لا كلمة تخرج من فم الإنسان إلا ولديها رقيب عتيد مستعد لتسجيلها. هذه الآية بمثابة تحذير جاد بأن الإنسان يجب أن يكون واعيًا ومسؤولًا عن كل كلمة ينطق بها. تشمل هذه المسؤولية الامتناع عن اللغو أو الكلام الباطل (لغو). في سورة المؤمنون، الآية 3، يُذكر من صفات المؤمنين الصادقين إعراضهم عن اللغو: "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ". الكلام الباطل وغير المفيد لا يهدر الوقت والطاقة فحسب، بل يمنع الروح والقلب أيضًا من الانخراط في أمور أكثر أهمية وبناءة. في مقابل هذه الآفات، يشير القرآن أيضًا إلى جماليات الكلام والفضائل اللسانية؛ مثل "القول السديد" (الكلام المستقيم الصحيح) في سورة الأحزاب، الآية 70، و"القول الكريم" (الكلام النبيل والمحترم) في سورة الإسراء، الآية 23 (بشأن الوالدين)، و"القول اللين" (الكلام اللطيف واللين) في سورة طه، الآية 44 (بشأن فرعون). هذه التوصيات تبين أن اللسان يجب أن يكون أداة للتعبير عن الحقيقة، والهدى، والتهدئة، وتعزيز الخير. في الختام، يمكن القول إن القرآن الكريم يقدم اللسان كأداة حساسة ومهمة للغاية في حياة البشر. فآفات اللسان مثل الغيبة، والسخرية، والكذب، والافتراء، واللغو، لا تضر الفرد فحسب، بل تضعف أيضًا الأسس الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع. تعاليم القرآن، بتشجيعها على الكلام الطيب ونهيها عن الكلام السيئ، تمهد الطريق لبناء مجتمع سليم، آمن، مليء بالرحمة والمودة. إن ضبط اللسان والمحافظة عليه هو في الواقع علامة على الإيمان الصادق والتقوى الإلهية، التي تجلب السعادة في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك رجل اعتاد الغيبة والنميمة. حيثما جلس، تحدث عن عيوب الناس وزرع بذور الحقد. في أحد الأيام، التقى بحكيم وسأله: "يا حكيم، لماذا يتجنبني الناس؟" ابتسم الحكيم وقال: "يا صديقي، لسانك سيف يجرح في كل منعطف، ويؤلم القلوب. إذا أردت أن يحبك الناس، فاحفظ لسانك. فقد علمنا الله في كلامه أن نبتعد عن الغيبة والسخرية، وكل كلمة تخرج من فمك تسجل عنده. فاعلم أن كلمة واحدة غير لائقة قد تسبب دمار مئة بيت أحيانًا، وكلمة واحدة صحيحة يمكن أن تبني عالمًا. اللسان، وإن كان عضوًا صغيرًا، لكنه إما أن يصنع لك الجنة أو يدخلك النار." أخذ الرجل بنصيحة الحكيم ومنذ ذلك الحين، امتنع لسانه عن كل كلام قبيح وباطل، ورأى كيف انجذبت إليه القلوب واكتسب احترام الناس. نعم، من يحفظ لسانه يعيش بسلام، ومن يطلقه يعاني من المشقة والندم.

الأسئلة ذات الصلة