لتجنب الغرور في النعم، يجب أن نكون ممتنين ونتذكر أن جميع النعم تأتي من الله.
يواجه البشر في حياتهم اليومية العديد من النعم والخيرات التي أنعم الله بها عليهم، ولكن تتطلب هذه النعم الوعي والاعتراف بقيمتها الحقيقية. إن هذه النعم قد تؤدي أحيانًا إلى الغرور والتفاخر، مما يُبعدنا عن مسار الحق والتواضع الذي يعد من أفضل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأفراد. إن النعم الإلهية ليست مجرد أشياء نملكها، بل هي أمانة واختبار من الله سبحانه وتعالى، واستخدامها في طاعته هو السبيل الحقيقي للاستفادة منها. يُشير القرآن الكريم في العديد من الآيات إلى أهمية الوعي بنعم الله وعدم الفخر بها. في سورة النحل، الآية 18، يقول الله تعالى: "وَ إن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا". تُعبر هذه الآية عن حقيقة أن النعم التي ينعم الله بها على عباده لا يمكن حصرها أو عدُّها، لذلك يجب علينا أن نكون دائمًا ممتنين لهذه النعم وأن نسعى لاستغلالها في طاعة الله ورسوله. هذا الشعور بالامتنان يساعدنا في إيجاد التوازن في حياتنا ويعزز من تواضعنا. علاوة على ذلك، تُحذر الآيات القرآنية من الانزلاق نحو حب الدنيا والمغريات التي قد تفسد قلوبنا. في سورة آل عمران، الآية 14، يقول الله سبحانه وتعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ...". هذه الآية توضح أن زينة الدنيا، مثل المال والنساء والأبناء، يمكن أن تقودنا إلى الغرور والتفاخر، حيث نشعر أنفسنا أكثر من الآخرين بسبب الممتلكات التي نملكها. ومن هنا تبدأ معاناة الغرور، فالفلوس والمظاهر لا تعكس قيمة الإنسان الحقيقية. إن مواجهة الغرور تتطلب منا التواضع والإدراك العميق بأن كل ما لدينا هو من فضل الله، وأننا لن نستطيع الاستغناء عنه في أي لحظة. فمن المهم أن نتذكر أنه حتى نعمنا التي نعتبرها طبيعية كالصحة، الأمان، ومدى قدرتنا على العمل، كل ذلك هو من هبات الله. هذه الفطرة السليمة تدعونا للتواضع وتقدير الآخرين. إن التصدق ومساعدة الآخرين تُعتبر من الوسائل الفعالة التي تساعدنا في تجنب الغرور وتعزيز الروح المتواضعة. في سورة البقرة، الآية 261، يُذكر الله أجر الإنفاق في سبيله، حيث يقول: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سُنبُلَاتٍ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ...". تشير هذه الآية إلى أن العطاء في سبيل الله لا يعود بالنفع فقط على المحتاجين، بل يعكس أيضاً تواضعنا وقربنا من الله، ويزيد من حسناتنا في الآخرة. إن مبدأ العطاء يجعل من ومجتمعاتنا أكثر قوة وتماسكًا، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من كل. يمكننا أيضًا تجنب الغرور من خلال الانخراط في المحادثات مع المؤمنين وزملائنا الذين يذكرون الله. إن هذه الاجتماعات صدقة جارية تُذكّرنا بنعم الله وتعيد تقييم الأمور من حولنا. التواجد بجانب أناس يحملون نفس القيم الروحية يمكن أن يُبقي قلوبنا نقية ويعيق الغرور عن التسلل إلى نفوسنا. فالعقول تحتاج إلى تذكير دائم لاسترجاع نعمة الإيمان في القلوب. تُعد مسألة الغرور من المسائل العميقة التي تتطلب منا التفكير والتأمل في كيفية تعاملنا مع النعم التي بين أيدينا. يجب أن نتذكر دائماً أن ما نحصل عليه ليس فقط بجهودنا، بل بفضل الله ورحمته. وهذه الحقيقة تستطيع أن تزرع في نفوسنا الرغبة في استخدام نعم الله في العمل الصالح وخدمة مجتمعاتنا. لذلك، إن السعي لتحقيق أعلى درجات الإيمان والصدق في الطاعات يقودنا نحو حياة مليئة بالهادفة. بصفة عامة، يمكن تلخيص السبل التي تمكِّننا من تجاوز الغرور بالتالي: أولاً، الاعتراف بأن النعم ليست ملكنا بل أمانة من الله، وثانياً، ممارسة الشكر من خلال أعمال العطاء ومساعدة الآخرين، وثالثاً، التواصل مع المؤمنين الذين يقوّون من إيماننا ويذكروننا دائماً بنعم الله. بالنهاية، سيؤدي كل ذلك إلى تطوير روح التواضع والشكر في نفوسنا، ما يساعدنا على الاقتراب من الله وتحقيق السلام الداخلي. إن السعي لأخلاق سامية وتبني مسار ثابت من الإيمان والعمل الطيب يُعتبر مثالًا يحتذى به في مواجهة الجوانب السيئة للغرور والتفاخر. بالاعتماد المستمر على الله والتذكر بأنه وحده الرازق، نجد أنفسنا في موقف يمنع عنا الغرور ويمنح قلوبنا السعادة والاطمئنان.
في قديم الزمان، كان هناك شاب اسمه حسن قد أصابه الغرور في حياته. كان يتفاخر دائمًا بالنعم التي لديه، متناسيًا أن كل شيء هو من الله. ذات يوم، ذهب إلى حكيم وطلب المساعدة. قال له الحكيم: "لماذا لا تفعل الخير وتشارك نعمتك مع الآخرين؟". فكر حسن في الأمر وقرر مساعدة المحتاجين. أدرك أنه من خلال مساعدة الآخرين، لم يهدئ نفسه فحسب، بل ابتعد أيضًا عن الغرور.