كيف أبتعد عن المنافسة غير الصحية؟

لتجنب المنافسة غير الصحية، حول نظرك من الدنيا إلى الآخرة وتنافس صحيًا في الخيرات مع الآخرين. نمِّ القناعة والشكر في نفسك، وتجنب الحسد والطمع، محققًا السلام من خلال التركيز على تطوير الذات والارتقاء الروحي.

إجابة القرآن

كيف أبتعد عن المنافسة غير الصحية؟

للبقاء بعيداً عن أجواء المنافسة غير الصحية والمدمرة، من الضروري أولاً أن يكون لدينا فهم عميق لطبيعة هذه المنافسة وعواقبها، ثم، بالاعتماد على التعاليم القرآنية التي لا تُضاهى، أن نحدد ونطبق الاستراتيجيات العملية والأساسية لتحقيق السلام الداخلي والسير في المسار الصحيح للحياة. المنافسة غير الصحية هي منافسة تتشكل على أساس الحسد، والعجرفة، والجشع، والطمع في الحصول على المكاسب المادية بأي ثمن. هدفها الأساسي ليس التقدم والارتقاء الفردي أو الجماعي، بل مجرد التفوق على الآخرين والحصول على نصيب أكبر من الدنيا. يمكن أن تؤدي هذه المنافسة إلى ظهور العديد من الرذائل الأخلاقية مثل البخل، والحقد، والكذب، والافتراء، والتجاهل الصارخ لمبادئ العدل والإنصاف. ولهذا السبب، حذر القرآن الكريم الناس منها بطرق مختلفة. أحد أهم التعاليم القرآنية في هذا الصدد هو توضيح حقيقة الحياة الدنيا والآخرة. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الدنيا فانية وزائلة، وأن القيمة الحقيقية تكمن فيما هو باقٍ، أي في مكافآت الآخرة ورضا الله، وليست في ما هو مؤقت وزائل. في سورة الحديد (الآية 20)، يقول الله تعالى: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ". توضح هذه الآية أن التنافس على الثروة والأولاد (التي ترمز إلى جميع مظاهر الدنيا) ليس إلا لعبًا ولهوًا وغرورًا. عندما يدرك الإنسان هذه الرؤية القرآنية بأن القيمة الحقيقية تكمن في البقاء والديمومة في الآخرة، فإنه يتوقف بشكل طبيعي عن السعي الأعمى والتنافس غير الصحي على الأمور الفانية، وهذا هو أول خطوة نحو التحرر من فخ هذه المنافسات. في مقابل المنافسة الدنيوية غير الصحية، يدعو القرآن إلى "المسارعة في الخيرات". هذه المنافسة بناءة وترفع من شأن الإنسان، وتدفعه نحو أداء الأعمال الصالحة والفضائل الأخلاقية. في سورة البقرة (الآية 148)، نقرأ: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (ولكل أمة وجهة يتوجه إليها في صلاته، فبادروا إلى فعل الخيرات). هذه الآية تدعونا إلى منافسة شريفة؛ منافسة يتسابق فيها الأفراد لاكتساب العلم النافع، ومساعدة إخوانهم من البشر، وأداء العبادات، وكل ما يرضي الله. مثل هذه المنافسة لا تلحق أي ضرر بأحد، بل تساهم بشكل كبير في تحسين ورفع المستوى الروحي والأخلاقي للمجتمع. الفرق الأساسي بين هذين النوعين من المنافسة يكمن في النية والهدف: أحدهما لكسب رضا الخالق وبناء الدار الباقية، والآخر لإرضاء النفس الأمارة بالسوء وتحقيق اللذات الدنيوية الزائلة. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن على أهمية القناعة والشكر. قبول حقيقة أن رزق كل إنسان مقدر من قبل الله تعالى وأن توزيع الثروات والممتلكات يتم بحكمته، يمكن أن يقضي على الحسد والمنافسة الضارة. في سورة النساء (الآية 32)، يقول الله: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض من مال أو جاه أو غير ذلك. للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله فهو القادر على أن يغنيكم جميعًا. إن الله كان بكل شيء عليمًا). هذه الآية تدين صراحة الحسد وتمني امتلاك ما يمتلكه الآخرون، وتقدم الحل في "طلب فضل الله" وسعينا المشروع، وليس في الطمع فيما في أيدي الآخرين. القناعة لا تعني التخلي عن الجهد والنشاط؛ بل تعني الرضا بما هو حلال وعدم الطمع فيما هو في أيدي الآخرين. أخيرًا، يؤكد القرآن الكريم على أهمية العلاقات الأخلاقية السليمة، وتجنب الظلم والعدوان، وتشجيع التعاون والتآزر. فالمنافسة غير الصحية غالبًا ما تكون مصحوبة بانتهاك حقوق الآخرين، والمؤامرات، والنميمة، والسلوك التدميري. تؤكد التعاليم القرآنية على أهمية العدل، والإحسان، والصدق في جميع التعاملات الإنسانية. في سورة المائدة (الآية 2)، جاء: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (وتعاونوا أيها المؤمنون فيما بينكم على فعل الخير وترك الشر، ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان). هذا المبدأ يرسخ أساس العلاقات الاجتماعية الصحية التي يحل فيها التعاون والتضامن محل المنافسات الهدامة. الحفاظ على القلب خالياً من الحسد والحقد والسعي لتطهير الروح من هذه الرذائل، هو من توجيهات القرآن المتكررة التي تؤدي إلى السلام الداخلي والابتعاد عن المنافسات الخارجية المدمرة. بالتركيز على بناء الذات والتطور الشخصي في سبيل الله، يتحرر الإنسان من الحاجة إلى مقارنة نفسه بالآخرين باستمرار ويختبر سكينة حقيقية. في النهاية، يجب أن نتذكر أن أي جهد يُبذل لكسب رضا الله سيجلب مكافأته في الدنيا والآخرة، ولا حاجة لموافقة الآخرين أو السعي للتفوق بأي ثمن. هذا التفكير لا يُبطل المنافسات المدمرة فحسب، بل يوفر بيئة مواتية للتعاون والتآزر والنمو الجماعي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن ملكًا من ملوك العجم، في يوم ربيعي بهيج حيث كانت حديقته مزدانة بالزهور الملونة وتصدح فيها ألحان العندليب الشجية، كان يجلس في شرفة قصره الفخم. كان غارقًا في تأمل عظمته وجلاله، مفتخرًا بثرائه وسلطانه العظيم. أحاط به عدد لا يحصى من الخدم، يلبي كل رغباته بلا تأخير. في تلك اللحظة بالذات، وقع بصره على درويش في الأفق، يرتدي ثيابًا مرقعة وبمظهر بسيط، ولكنه كان بوجه هادئ ومشرق وقلب مطمئن، يجلس على العشب وهو منشغل تمامًا بالدعاء والتسبيح لربه. تعجب الملك من هذا المنظر، وبشيء من الحسرة، قال لأحد وزرائه: "انظر! هذا الدرويش، على الرغم من كل فقره وعوزه، كم هو مرتاح البال وخالٍ من الهموم. أما أنا، فمع كل هذا العظمة والجلال والثراء، لا أشعر بالراحة للحظة واحدة، ودائمًا ما أكون مشغولاً بتوسيع مملكتي وزيادة ثروتي، بينما هو مستغنٍ تمامًا عن الدنيا." فأجاب الوزير الحكيم بعمق: "أيها الملك طيب القلب، هو قانع بما لديه ولا يطمع فيما يملكه الآخرون، ولهذا هو هادئ ومطمئن. أما أنت، فإنك تنظر باستمرار إلى ما لا تملكه، وبالتالي تفتقر إلى الطمأنينة وتعيش في منافسة لا نهاية لها." تعلمنا هذه القصة الجميلة من سعدي أن السلام الحقيقي والتحرر من المنافسات العبثية وغير الصحية يكمن في القناعة بما لدينا والشكر على نعم الله، وليس في الطمع اللامحدود أو التطلع إلى ممتلكات الآخرين. عندما يرضى قلب الإنسان بما وهبه الله، فإن المنافسات غير الصحية لن تجد مكانًا لتنمو أو تؤذيه، والسلام الداخلي ينير درب حياته.

الأسئلة ذات الصلة