كيف يتناول القرآن الحق والباطل؟

القرآن يصف الحق بأنه إلهي، ثابت ويهدي، بينما الباطل زائل، خادع ومضل. الصراع بينهما مستمر، لكن الحق سينتصر في النهاية، ويجب على الإنسان تمييزه بالعقل والتدبر.

إجابة القرآن

كيف يتناول القرآن الحق والباطل؟

في القرآن الكريم، يعتبر مفهومي «الحق» و«الباطل» من المحاور الأساسية والجوهرية في التعاليم الإلهية، وقد تمت مناقشتهما مرارًا وتكرارًا وبعمق لا مثيل له. يرى القرآن الكون كله يدور حول الحق، وكل ما يقف ضده يعتبر باطلاً. لا يقتصر هذان المفهومان على القضايا العقائدية فحسب، بل يمتدان ليشمل الأبعاد العملية والأخلاقية والاجتماعية وحتى الطبيعية لحياة الإنسان. فالله تعالى يصف الحق بأنه أمر ثابت، دائم، واضح ومُنير، ينبع من ذاته ويعبر عن العدل والواقع والهداية. في المقابل، يتسم الباطل بصفات الزوال، الخداع، الظلام والإضلال، ومصدره إغواءات الشيطان، والأهواء البشرية، وجهل الإنسان. هذان المفهومان في صراع دائم ومستمر، يكشفه القرآن بوضوح ويتنبأ بنتيجة هذا الصراع لصالح الحق في النهاية. يتناول القرآن الكريم الحق والباطل بطرق متنوعة. من أهم هذه الطرق، تقديم الآيات البينات والأدلة القاطعة لإثبات حقيقة التوحيد ورسالة الأنبياء. فالحق، في المقام الأول، هو التوحيد الخالص وعبادة الله وحده، وهو العمود الفقري للدين الإسلامي. وكل شكل من أشكال الشرك أو عبادة الأوثان أو الانحراف عن طريق الحق، يُعد باطلاً. يؤكد الله في آيات عديدة أن خلق السماوات والأرض قائم على الحق، وهذا بحد ذاته دليل على وجود خالق حكيم وعادل. وهذا يعني أن نظام الكون، والعدل الشامل، والحكمة الإلهية الأزلية، كلها مظاهر للحق. وأي شيء يخل بهذا النظام والعدل أو ينفيه، يندرج ضمن الباطل. على سبيل المثال، في سورة إبراهيم، الآية 24، يقول الله: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ"، حيث الكلمة الطيبة هنا رمز للحق، وثباتها وديمومتها علامة على طبيعة الحق. في تفسير الباطل، يشبهه القرآن بالزبد الذي يعلو الماء أو الدخان والغبار، الذي على الرغم من مظهره البراق، إلا أنه لا يملك ثباتًا ويزول بسرعة، بينما يبقى الماء الصافي أو المعادن الثمينة (رمز الحق) وينفع الناس. هذا التمثيل الجميل مذكور في سورة الرعد، الآية 17: "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ". هذه الآية توضح بجلاء أنه على الرغم من أن الباطل قد يبدو في البداية صاخبًا ومثيرًا للانتباه، إلا أنه يفتقر إلى المحتوى والفائدة ويزول قريبًا، بينما الحق، هادئًا ومثمرًا، يبقى ومصدر خير ومنفعة للبشرية. كما يؤكد القرآن بشدة على ضرورة عدم خلط الحق بالباطل والامتناع عن كتمان الحق. في سورة البقرة، الآية 42، يقول: "وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ". هذه الآية موجهة لأهل الكتاب، لكنها تحمل درسًا عامًا لجميع البشر بأن يميزوا الحق عن الباطل بوعي، وألا يخفوا الحقيقة أو يلبسوا الباطل ثوب الحق لأجل مصالح دنيوية أو تعصبات. هذا العمل لا يؤدي إلى الضلال الفردي فحسب، بل يسبب انحراف المجتمع وانتشار الفساد. تأكيد القرآن على النصر النهائي للحق على الباطل، رسالة أمل وطمأنينة للمؤمنين. فآيات مثل "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" (سورة الإسراء، الآية 81) التي تقول: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"، تعبر بوضوح عن هذه الحقيقة: أن الباطل زائل بطبيعته ومحكوم عليه بالزوال. هذه الآية لا تشير فقط إلى انتصار الإسلام على الكفر في عهد النبي، بل تعبر عن قانون إلهي عام يسري عبر التاريخ وفي جميع جوانب الحياة. حتى لو بدا الباطل قويًا ومسيطرًا في فترة ما، فإن هذا السيطرة مؤقتة، وطبيعته قابلة للزوال. هذا الأمر يمنح الناس الثقة للبقاء ثابتين على طريق الحق، حتى لو واجهوا صعوبات وتحديات، لأن نهاية المطاف مع الحق. في الختام، يدعو القرآن الإنسان إلى تعزيز قدرته على التمييز بين الحق والباطل من خلال التعقل والتفكير والتدبر في الآيات الإلهية واتباع سنة النبي. هذا التمييز حيوي ليس فقط في مجال العقائد، بل في جميع القرارات اليومية، والعلاقات الاجتماعية، والأحكام. لقد بيّن القرآن طريق الهداية بوضوح وحذر من أن أي انحراف أو ضلال بعد وضوح الحق يعني اتباع الباطل ويترتب عليه عواقب وخيمة. هذه التعاليم تدفع الإنسان نحو حياة تقوم على المبادئ الإلهية والعدل والصدق والاستقامة، وتمنعه من الخداع والظلم والفساد، لأن السعادة في الدنيا والآخرة لا تتحقق إلا باتباع الحق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن ملكاً سأل وزراءه ذات يوم أن يتكلم كل منهم بأحكم الكلمات. فقال الوزير الأول بمداهنة: «أيها الملك! أنت شمس العدل التي تشرق على العالم.» وقال آخر: «أيها الملك، أنت بحر من الكرم والجود.» ولكن كان بينهم وزير مسن تكلم من قلبه وقال: «أيها الملك، خير الكلام ما لا يدخله كذب أبدًا، ويكون دائمًا مصحوبًا بالصدق، فإن الباطل كفقاعة على الماء سرعان ما تنفجر وتختفي، أما الحقيقة فهي كالجذر الثابت في الأرض، تبقى راسخة وتؤتي ثمارها.» تعجب الملك في البداية من هذا القول البسيط، ولكن مع مرور الوقت ورؤية خداع الباطل وديمومة الحق، أدرك عمق كلام الوزير وقدره أكثر. لقد أدرك أن الثبات والعزة لا يتحققان إلا بالحقيقة، وليس بالبهاء الزائل.

الأسئلة ذات الصلة