يجب التعاطف مع غير المؤمنين بناءً على الكرامة الإنسانية المشتركة، وعدم الإكراه في الدين، والعدل، واللطف (إذا لم يكونوا معادين)، والحكمة في الحوار. يشمل هذا التعاطف احترام اختياراتهم وكرامتهم، والامتناع عن الإهانات.
القرآن الكريم، بصفته الهداية الإلهية للبشرية، يقدم إطارًا شاملاً للتفاعل مع جميع الناس، بمن فيهم أولئك الذين لا يشاركون الإيمان الإسلامي. مفهوم التعاطف، الذي يتضمن فهم مشاعر الآخر ومشاركتها، متأصل بعمق في هذه التعاليم القرآنية، ليس فقط كأدب اجتماعي بل كجزء جوهري من شخصية المؤمن. التعاطف مع غير المؤمنين، من منظور إسلامي، يرتكز على عدة مبادئ أساسية: الكرامة الإنسانية الشاملة، احترام الاختيار الفردي في مسائل الإيمان، حتمية العدل، وتعزيز السلام والسلوك الحسن في المجتمع. أولاً، يرسّخ القرآن مبدأ أساسيًا للكرامة الإنسانية الشاملة. يقول الله تعالى في سورة الإسراء (17:70): "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ". تؤكد هذه الآية أن كل إنسان، بغض النظر عن معتقداته أو عرقه أو خلفيته، مكرم بطبيعته من خالقه. هذا العطاء الإلهي للكرامة يشكل حجر الزاوية للتفاعل التعاطفي. عندما يقترب المسلم من غير المؤمن، يؤمر بالتعرف على هذه الكرامة الإنسانية المشتركة، مما يعزز شعورًا بالأرضية المشتركة والاحترام المتبادل. يتجاوز هذا المنظور الاختلافات اللاهوتية، مما يسمح بإنشاء علاقة مبنية على الإنسانية المشتركة بدلاً من المعتقدات المفرقة. التعاطف في هذا السياق يعني الاعتراف بقيمتهم المتأصلة ومعاملتهم بالاحترام الواجب لأي مخلوق كريم من الله. إنه يشجع على تجاوز عدم إيمانهم لرؤية الإنسان بكفاحاته وآماله وتجاربه الخاصة، مما يعزز الشفقة بدلاً من الحكم. ثانيًا، ينص القرآن صراحة على مبدأ "لا إكراه في الدين". في سورة البقرة (2:256)، يعلن الله: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ". هذه الآية محورية لفهم التعاطف تجاه غير المؤمنين. إنها تحظر إجبار أي شخص على قبول الإسلام، مؤكدة أن الإيمان يجب أن ينبع من الاقتناع والإرادة الحرة. التعاطف الحقيقي، بالتالي، يتطلب احترام استقلالية الفرد في رحلته الروحية. إنه يعني فهم أن عدم إيمانهم هو خيار اتخذوه، وبينما قد يرغب المسلم في هدايتهم، يجب ألا تترجم هذه الرغبة أبدًا إلى إكراه أو مضايقة أو إدانة. بدلاً من ذلك، يتجلى التعاطف في الصبر والفهم والرغبة في الانخراط في حوار محترم، واثقًا بأن الهداية هي في النهاية من الله وحده. هذا النهج يغذي بيئة من السلام والتفاهم، حيث يمكن أن توجد الاختلافات دون أن تؤدي إلى العداء أو الاضطهاد. إنه يعزز فكرة أن دور المرء هو نقل الرسالة بوضوح وبمثال جيد، وليس فرض الإيمان. ثالثًا، يولي القرآن اهتمامًا كبيرًا بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات، دون تمييز على أساس الدين. تأمر سورة المائدة (5:8) المؤمنين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". يمتد هذا المبدأ للعدالة الثابتة إلى التفاعلات مع غير المؤمنين. التعاطف هنا يعني ضمان احترام حقوقهم، ومعاملتهم بإنصاف في المسائل القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وألا يؤثر أي تحيز على سلوك المرء تجاههم. لا يمكن للمسلم أن ينكر العدل لغير المؤمن لمجرد أنهم لا يشاركونه نفس الإيمان. في الواقع، يمكن أن يكون إظهار العدل والإنصاف بشكل مثالي شكلاً قويًا لنقل جمال ومبادئ الإسلام العالمية، مما قد يعزز فهمًا وتواصلًا أكبر. ربما تكون إحدى أكثر الآيات المباشرة المتعلقة بالتفاعل التعاطفي مع غير المؤمنين غير المعادين موجودة في سورة الممتحنة (60:8): "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". تسمح هذه الآية صراحة، بل وتشجع، على "البر" (الصلاح، اللطف، الإحسان) و"القسط" (العدل، الإنصاف) تجاه غير المؤمنين الذين ليسوا معادين أو ظالمين. "البر" يعني مستوى عميقًا من المعاملة الحسنة والشفقة والرعاية، مما يعكس التعاطف الحقيقي. إنه يشمل أعمال الخير، وحسن الجوار، وتقديم المساعدة في أوقات الحاجة، وبشكل عام إظهار الأخلاق الحميدة. تسلط هذه الآية الضوء على أن التعاطف ليس مجرد شعور داخلي ولكنه يجب أن يترجم إلى أفعال ملموسة من اللطف والسلوك العادل. إنها تخلق تمييزًا واضحًا بين الذين هم محاربون وبين الذين يحملون ببساطة معتقدات مختلفة، مما يفتح الباب للتعايش السلمي والعلاقات الإنسانية الإيجابية. علاوة على ذلك، يوجه القرآن المؤمنين إلى الطريقة الأكثر فعالية وتعاطفًا لدعوة الآخرين إلى طريق الله. تنص سورة النحل (16:125): "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". التعاطف في الدعوة (الدعوة إلى الإسلام) يعني فهم الحالة الفكرية والعاطفية للشخص الآخر، وخلفيته، ومدى تقبله المحتمل. إنه يعني الاقتراب منهم بلطف وصبر وحجج مقنعة مقدمة بأكثر الطرق احترامًا. إنه يتضمن الاستماع النشط، والسعي لفهم شكوكهم أو مفاهيمهم الخاطئة، بدلاً من مجرد إلقاء المحاضرات. يدرك النهج التعاطفي أن الناس يأتون من تجارب مختلفة وقد تكون لديهم أسئلة أو مخاوف مشروعة تحتاج إلى معالجة بصبر ولطف، وليس بالرفض أو الغطرسة. أخيرًا، يعلم القرآن أيضًا شكلاً من أشكال التعاطف الوقائي من خلال حظر المؤمنين من إهانة آلهة الآخرين أو معتقداتهم، لأن ذلك قد يثير إهانات متبادلة وعداء. في سورة الأنعام (6:108)، يحذر الله: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". هذا الأمر تعاطفي للغاية. إنه يمنع المؤمن من الانخراط في أفعال قد تسيء أو تعادي غير المؤمنين دون داعٍ، وبالتالي تغلق أبواب التفاهم والحوار. إنه يدرك أن الناس مرتبطون بعمق بمعتقداتهم، وإهانتهم لا تولد سوى العداء، مما يجعل أي تفاعل إيجابي أو ارتباط تعاطفي مستقبلي مستحيلًا. بدلاً من ذلك، فإنه يعزز مسافة محترمة عن ممارساتهم مع الحفاظ على علاقات جيدة على المستوى الإنساني. في الختام، التعاطف تجاه غير المؤمنين في الإسلام هو مفهوم متعدد الأوجه متجذر في التعاليم القرآنية العميقة. إنه يتطلب الاعتراف بالكرامة الإنسانية المشتركة، واحترام حرية المعتقد، والالتزام الثابت بالعدل، واللطف الاستباقي تجاه غير المعادين، والحكمة في التواصل، وتجنب السلوك الاستفزازي. إنه يتعلق بتقديم الشفقة والفهم والمعاملة العادلة، ليس فقط كاستراتيجية للدعوة، ولكن كسمة متأصلة في المؤمن الحقيقي. يعزز هذا النهج التعايش السلمي، ويسد الفجوات، ويعكس في النهاية الرحمة والعدل العالميين اللذين هما حجر الزاوية في الإيمان الإسلامي. من خلال تجسيد هذه المبادئ، يتعاطف المسلم حقًا، ويظهر جمال ورسالة الإسلام العالمية للبشرية جمعاء.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر يسافر، وكان دائمًا يعامل الناس من كل دين ومعتقد بابتسامة وبلطف. في أحد الأيام، وصل إلى مدينة كان سكانها يتبعون دينًا مختلفًا عن دينه. حذره رفاقه من الإفراط في الاختلاط بهم. ابتسم التاجر وقال: "أيها الإخوة، قلب الإنسان مثل منزل يستقبل ضيافة المحبة بلطف. وعلى الرغم من أن بيوتنا قد تكون متباعدة، إلا أننا نستطيع أن نُقرّب قلوبنا باسم الإنسانية." وبنفس الوجه البشوش والمساعدة السخية للمحتاجين في تلك المدينة، سواء كانوا من دينه أو من غيره، زرع محبة في القلوب لدرجة أنه حتى بعد رحيله، كان اسمه يُذكر بالخير. وهكذا، أظهر أن التعاطف والإحسان هما جسر يحول كل فرقة إلى وصل ويربط القلوب ببعضها.