كيف تتغلب على إغراء السلطة والمكانة؟

للتغلب على إغراء السلطة والمكانة، يجب تذكر أن القوة الحقيقية لله وأن المناصب الدنيوية أمانة مؤقتة. تعزيز التقوى، التواضع، تذكر الآخرة، والشعور بالمسؤولية هي مفتاح هذا الصراع الداخلي.

إجابة القرآن

كيف تتغلب على إغراء السلطة والمكانة؟

إغراء السلطة والمكانة هو أحد التحديات العميقة والمعقدة في مسار السلوك البشري، وقد أصاب البشرية منذ القدم. هذه الرغبة الفطرية في السيطرة والتفوق، وإن كانت في جوهرها يمكن أن تكون حافزًا للتقدم والخدمة، إلا أنها سرعان ما تتحول إلى مصدر للفساد والظلم والانحراف إذا لم تخضع لرقابة العقل والإيمان. يتناول القرآن الكريم هذا الموضوع مرارًا وتكرارًا، مقدمًا حلولًا جوهرية للتغلب على هذا الإغراء. لفهم هذه الحلول، يجب أولاً أن نتعرف على طبيعة السلطة من المنظور القرآني. في القرآن، السلطة الحقيقية هي لله تعالى وحده، وأي سلطة توضع في أيدي البشر هي أمانة إلهية ووسيلة للاختبار، وليست هدفًا نهائيًا. يقول الله في سورة آل عمران، الآية 26: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". هذه الآية توضح بجلاء أن السلطة والعزة بيد الله، وهو الذي يعطيهما لمن يشاء وينزعهما ممن يشاء. هذا المنظور يزعزع أسس الطمع والكبر الناشئين عن السلطة. الحل الأساسي للتغلب على إغراء السلطة والمكانة هو تقوية "التقوى" أو خشية الله. التقوى تعني ضبط النفس والورع الذي يحمي الإنسان من الذنوب والإغراءات. عندما يمتلئ قلب الإنسان بذكر الله وخشيته من حسابه، فإنه لن يسعى لجمع السلطة لأهداف نفسية. سورة البقرة، الآية 281 تقول: "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" أي: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون". هذا التذكير الدائم بيوم الحساب يمنع الإنسان من إساءة استخدام السلطة ويدفعه نحو العدل والخدمة. الشخص التقي يعلم أن المكانة التي مُنحت له ليست للمتعة الشخصية، بل لأداء الواجب وإقامة العدل. ومن الحلول الهامة الأخرى "التواضع". يذم القرآن بشدة الكبرياء والغرور الناتج عن السلطة ويعتبرهما من صفات الشيطان وفرعون. في سورة لقمان، الآية 18 جاء: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" أي: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور". الشخص الذي يتغلب على إغراء السلطة لا يرى نفسه أفضل من الآخرين، ورغم مكانته، فإنه يعتبر نفسه دائمًا عبدًا لله وخادمًا للناس. هذا التواضع يمنعه من الفساد والطغيان ويساعده على استخدام السلطة بطريقة عادلة ورحيمة. قصة قارون في سورة القصص مثال ساطع على عواقب الغرور الناتج عن الثروة والسلطة، حيث تظهر كيف يمكن للكبرياء أن يؤدي إلى الهلاك. "الانتباه إلى الآخرة" وتجاهل جاذبية الدنيا هو أيضًا من العوامل الرئيسية. يشير القرآن مرارًا إلى عدم قيمة الدنيا مقارنة بالآخرة. عندما يعلم الإنسان أن المكانة والسلطة الدنيوية زائلة، وأن ما يبقى هو العمل الصالح والمكافأة الأخروية، فلن يتعلق بها بشدة. سورة القصص، الآية 83 تقول: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" أي: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين". هذه الآية تصرح بأن المقام الحقيقي والسعادة الأبدية لمن لا يسعون للعلو والفساد في الدنيا. هذا الفهم يغير نظرة الإنسان ويبعده عن المنافسات العبثية على المراتب والمناصب. بالإضافة إلى ذلك، "تذكير المسؤولية وكون السلطة أمانة" أمر بالغ الأهمية. فكل منصب يحصل عليه الإنسان هو في الواقع أمانة أودعها الله لديه، ويجب عليه أن يكون مسؤولًا عنها. الحاكم، المدير، أو أي شخص ذي نفوذ، هو مسؤول أمام الله وأمام الخلق. هذا الشعور بالمسؤولية يمنع إساءة استخدام السلطة ويدفع الفرد لاستخدامها لخدمة المجتمع وإقامة العدل. وقد قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم): "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". هذا الحديث متجذر في التعاليم القرآنية حول الأمانة والمسؤولية. أخيرًا، "المشاورة والاستماع إلى صوت الحق" يمكن أن يساعد الشخص القوي على التحرر من فخ الإغراء. يعطي القرآن أهمية كبيرة للمشاورة ويشجع الأفراد على الاستماع إلى آراء الآخرين، خاصة أهل الحق. هذا يمنع الاستبداد والرأي الفردي، وهما من النتائج السلبية للسعي وراء السلطة. في الختام، التغلب على إغراء السلطة والمكانة يعتمد على الإيمان العميق، وتقوية التقوى، والتواضع، وتذكر الآخرة، والشعور بالمسؤولية، والمشاورة. هذه هي الركائز التي تحمي الإنسان من طغيان النفس وتوجهه نحو الاستخدام الصحيح للسلطة في سبيل مرضاة الله.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن ملكًا عادلاً وخلوقًا، ولكن في بداية حكمه كان به شيء من الكبرياء. ذات يوم، كان جالسًا في شرفة قصره ينظر بغرور إلى رعاياه تحت يديه. في تلك اللحظة، مر درويش بسيط القلب لا يهتم بالدنيا أمام قصره. ناداه الملك بنبرة متعالية قائلًا: "يا درويش، ماذا تملك في هذه الدنيا لتسير هكذا مطمئن البال؟" أجاب الدرويش بابتسامة هادئة: "أيها الملك، ما أملكه يكفيني، وما لا أملكه لا أحتاج إليه. أما أنت، الذي تملك كل هذا الملك والثروة، هل أنت مطمئن على غدك ومصير أمرك؟" فكر الملك في كلماته بعمق. وتابع الدرويش: "أي مملكة لا يقوم عرشها على العدل، ستنهار عاجلاً أم آجلاً، وأي منصب يغفل عن ذكر الله، لا عاقبة له سوى الحسرة. العزة الحقيقية تكمن في القناعة وخدمة الخلق، لا في الجاه والمجد الفاني." الملك، الذي كان حتى ذلك الحين يتباهى بقوته فقط، ومن تلك اللحظة فصاعدًا، اتجه نحو التواضع والعدل، وظل حكمه يُذكر بالخير لسنوات عديدة. لقد أدرك أن المكانة والسلطة مجرد أمانة للخدمة، وليست أداة للغرور والمباهاة.

الأسئلة ذات الصلة