هل ذكر القرآن مسألة التمييز؟

القرآن الكريم يدين التمييز بوضوح، مؤكداً على المساواة بين البشر بناءً على التقوى وليس العرق أو المكانة الاجتماعية. ويُشير إلى أن التنوع البشري خُلق للتعارف لا للتفاضل والتفرقة.

إجابة القرآن

هل ذكر القرآن مسألة التمييز؟

القرآن الكريم، بصفته كتاب هداية للبشرية جمعاء، يعالج مسألة التمييز بشكل شامل وقاطع، ويدينه بشدة. فمنذ بدايته، يضع القرآن أسسًا ومبادئ عميقة لإرساء العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين الناس، مما يجعل أي شكل من أشكال التمييز لاغيًا وباطلاً. في الحقيقة، تستند روح التعاليم القرآنية على الكرامة المتأصلة للإنسان، بغض النظر عن أي انتماءات ظاهرية، أو عرقية، أو لغوية، أو اجتماعية، وتعلن أن التقوى والصلاح هما المعيار الوحيد للتفضيل والكرامة عند الله. من أهم الآيات وأكثرها جوهرية في هذا الصدد، الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. هذه الآية تُعلن بوضوح أن أصل خلق جميع البشر واحد — من ذكر وأنثى — وأن الهدف من خلق الأمم والقبائل المختلفة هو التعارف والتفاعل البناء، وليس التفاخر والتفاضل والتمييز. وتصرح هذه الآية بأن العرق، أو الأصل، أو اللون، أو اللغة، أو الثروة، أو المكانة الاجتماعية ليست معايير للتفضيل. بل إن المعيار الحقيقي الوحيد هو التقوى والصلاح أمام الله تعالى. والتقوى هنا لا تعني مجرد أداء الشعائر الدينية، بل تشمل كل عمل صالح، والسعي للعدالة، ورعاية حقوق الآخرين، ونقاء القلب، والابتعاد عن الإثم والظلم. فمن كان أتقى، أي من يراقب الله أكثر في تصرفاته وأقواله وأفعاله، ويبتعد عن الظلم والتمييز، فهو أكرم عند الله. لقد كان هذا المبدأ ثورة فكرية واجتماعية اجتثت جذور التمييز العنصري والطبقي والجنسي في المجتمعات آنذاك وما زالت تمثل تحديًا له اليوم. يؤكد القرآن أيضًا على وحدة الأصل البشري، ويعتبر جميع البشر أبناء أب واحد وأم واحدة (آدم وحواء). في الآية الأولى من سورة النساء، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِي خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا کَثِيرًا وَنِسَاءً﴾. هذه الآية لا تطلب التقوى من البشر فحسب، بل تُعرف أساس الخلق من «نفس واحدة». هذا المفهوم ينفي بوضوح أي ادعاء بالتفوق العرقي أو القومي، لأن الجميع ينبعون من مصدر واحد ومشترك وهم متساوون في جوهرهم. يوفر هذا المبدأ الأسس الفكرية لمواجهة أي تفكير تفاضلي ويخلق بيئة للتعايش السلمي والتعاون بين مختلف الأقوام والشعوب. علاوة على ذلك، لا يعتبر القرآن الكريم تنوع اللغات والألوان سببًا للتمييز، بل يصفه بأنه إحدى آيات وعلامات قدرة الله وعظمته. في سورة الروم، الآية 22، ورد: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوَانِکُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِکَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾. هذه الآية تبرز الجمال والحكمة الكامنة في الاختلافات الظاهرية والثقافية للبشر، وبدلًا من أن تكون هذه الاختلافات أساسًا للصراع والتفضيل، تُقدم كوسيلة للتفكر في الخالق وعظمة الخلق ومعرفته. هذا المنظور يقدم رؤية إيجابية وبناءة للتنوع البشري، مما يؤدي إلى القبول والتقدير بدلاً من الرفض. وبعيدًا عن هذه الأسس النظرية، ينهى القرآن صراحة عن الأفعال والسلوكيات التمييزية. فعلى سبيل المثال، في نفس سورة الحجرات، الآيتان 11 و 12، يأمر الله المؤمنين ألا يسخر قوم من قوم، ولا يتنابزوا بالألقاب، وأن يجتنبوا الظن السيئ والغيبة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن یَکُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن یَکُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَکُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ یَتُبْ فَأُولَٰئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُکُم بَعْضًا﴾. هذه الأوامر المانعة تزيل عملياً الخلفيات والمظاهر التي تؤدي إلى التمييز، لأن السخرية، والتنابز بالألقاب، والظن السيئ غالبًا ما تكون متجذرة في الأحكام المسبقة والتمييز. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن على أهمية العدالة في جميع الأمور ويلزم المسلمين بالتعامل بالعدل حتى مع أعدائهم. في الآية الثامنة من سورة المائدة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. هذه الآية تصرح بوضوح بأن كراهية قوم لا ينبغي أن تدفعكم إلى عدم العدل. فالعدل أقرب إلى التقوى. هذا الأمر بالعدل المطلق ينفي عملياً أي تمييز في الأحكام والقضاء والسلوكيات الاجتماعية، ويؤسس لمجتمع عادل خالٍ من الأحكام المسبقة غير المبررة. وهكذا، فإن القرآن لا يرفض التمييز من الناحية العقدية فحسب، بل يحاربه عملياً وقانونياً أيضاً، ويدعو المؤمنين إلى بناء مجتمع قائم على المساواة والاحترام والعدالة. هذه الشمولية في معالجة قضية التمييز تدل على الأهمية القصوى لهذا الموضوع في المنظور الإسلامي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن حكيمًا كبيرًا كان يسير في أحد الأسواق ذات يوم برفقة خادمه الشاب المتفاخر. نظر الخادم باحتقار إلى شيخ رث الثياب فقير يجلس على جانب الطريق وابتسم بسخرية. الحكيم العاقل، الذي لاحظ نظرة خادمه، التفت إليه بلطف وقال: «يا بني، إياك أن تنخدع بمظهر أحد أو أن تحتقره بسبب ثيابه البالية وحاله المتعبة. اعلم أن قيمة الإنسان تكمن في جوهره الداخلي، لا في ثيابه أو مكانته الظاهرية. فكم من شيخ يبدو حقيرًا في نظرك قد يكون له عند ربه وفي خلوة قلبه منزلة لا يبلغها مئات مثلنا. كلنا من تراب وإلى تراب نعود؛ فالاختلافات تكمن في العمل الصالح وصفاء النية، لا في المظهر والثراء.» فخجل الخادم من قول الحكيم، ومنذ ذلك اليوم تعلم ألا يحكم على أحد بمظهره أبدًا وأن ينظر إلى جميع الناس بعين الاحترام. هذه الحكاية تعلمنا درسًا عظيمًا في المساواة وتجنب التمييز، تمامًا كما عبر سعدي بكلماته العذبة.

الأسئلة ذات الصلة