هل مساعدة الآخرين دائمًا صواب؟

مساعدة الآخرين محل إشادة كبيرة في الإسلام، ولكن يجب أن تتم بنية خالصة، وفي سبيل الخير وتجنب الإثم، وبحكمة وبصيرة لتحقيق النفع الحقيقي.

إجابة القرآن

هل مساعدة الآخرين دائمًا صواب؟

في تعاليم الإسلام السامية وآيات القرآن الكريم النيرة، تُعتبر مساعدة الآخرين والإحسان وفعل الخير والإنفاق في سبيل الله من أسمى الأعمال وأجلها. لقد شجع القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا وبطرق متنوعة المؤمنين على مساعدة المحتاجين واليتامى والمساكين والأقارب وعابري السبيل، معتبرًا ذلك علامة على الإيمان الصادق والتقوى. الهدف من هذا التشجيع هو بناء مجتمع يقوم على التضامن والرحمة والعدل والأخوة، حيث لا يشعر أحد بالوحدة أو الحرمان. مساعدة الآخرين لا تقتصر على حل مشكلات عباد الله، بل تسهم أيضًا في نمو الفرد الروحي والمعنوي الذي يقدم المساعدة، وتحمل له أجرًا عظيمًا وثوابًا في الدنيا والآخرة. تظهر آيات عديدة هذا المقام الرفيع، مثل سورة البقرة الآية 261 التي تشبه أجر الإنفاق بحبة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أو الآية 267 من نفس السورة التي تشجع المؤمنين على الإنفاق من أطيب ما يملكون. على الرغم من هذا التأكيد القاطع على أهمية المساعدة والخير، يطرح سؤال جوهري: هل مساعدة الآخرين صحيحة دائمًا وفي كل الظروف؟ إن إجابة القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) على هذا السؤال ليست بـ'نعم' مطلقة، بل مصحوبة ببعض الدقائق والشروط. هذه الشروط والاعتبارات ليست للتقليل من قيمة المساعدة، بل لضمان فعاليتها وصوابها وتوافقها مع الأهداف السامية للشريعة الإسلامية. في الواقع، يجب أن تقع المساعدة، كأي عمل آخر في الإسلام، ضمن إطار من المبادئ والقواعد الشرعية والأخلاقية لتؤدي إلى الخير الحقيقي. من أهم المبادئ الأساسية التي يؤكد عليها القرآن الكريم، مبدأ عدم التعاون على الإثم والعدوان. يقول الله تعالى في سورة المائدة، الآية 2: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». هذه الآية تضع حدودًا واضحة: مساعدة الآخرين مقبولة فقط عندما تكون في سبيل الخير والعدل والسلام والتقوى. إذا كانت مساعدتنا لشخص ما تعينه على ارتكاب معصية، أو تدعم ظلمًا وعدوانًا، أو تساهم في الفساد والهلاك، فإن هذه المساعدة ليست صحيحة فحسب، بل تُعتبر هي نفسها إثمًا. على سبيل المثال، إذا طلب منا أحدهم المساعدة في عمل مخالف للشرع أو إيذاء آخر، فإن الاستجابة له تكون إثمًا. أو إذا كان الشخص محتاجًا، ولكننا نعلم أنه سيستخدم مساعدتنا المالية لشراء المخدرات أو القمار، فإن تقديم المساعدة المالية المباشرة له في هذه الظروف ليس من الصواب فحسب، بل قد يجعلنا شركاء في إثمه. هنا تقتضي الحكمة أن تُقدم حلولًا جذرية بدلاً من المال، مثل المشورة، أو توفير فرص عمل، أو الإحالة إلى مراكز الدعم. النقطة الثانية هي مسألة 'النية'. في الإسلام، قيمة كل عمل مرتبطة بنيته. يجب أن تكون مساعدة الآخرين خالصة لوجه الله تعالى فقط، وليس للمباهاة أو الشهرة أو المن. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 264: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ». إذا كانت المساعدة مصحوبة بالمن والأذى، أو إذا كانت مجرد رياء وتفاخر، فإن أجرها يضيع وقد تتحول إلى إثم. لذا، حتى لو كان العمل في الظاهر مساعدة، ولكن النية لم تكن خالصة، فإنه يفقد قيمته من المنظور الشرعي والأخلاقي. ثالثًا، الاهتمام بالأولويات وعدم الإضرار بالنفس أو بالعائلة. بينما الإيثار والتضحية محل إشادة كبيرة في الإسلام، هذا لا يعني أن يتجاهل الإنسان واجباته الأساسية أو حقوق عائلته. فحقوق الزوجة والأبناء والوالدين على الإنسان هي من أهم الأولويات. لا ينبغي أن تأتي مساعدة الآخرين على حساب إهمال هذه الحقوق أو تعريض معيشة الأسرة للخطر، إلا في حالات خاصة وبموافقة كاملة ووعي. في ظروف المجاعة أو الأزمات الشديدة، تكون الأولوية لإنقاذ أرواح المسلمين، ولكن في الظروف العادية، من الضروري الحفاظ على التوازن والتدبير. وكذلك، لا ينبغي أن تؤدي مساعدة الآخرين إلى ضرر لا يمكن إصلاحه بصحة الفرد أو أمنه الشخصي، إلا في حالات الجهاد والدفاع عن الدين والوطن التي لها أحكامها الخاصة. رابعًا، الحكمة والبصيرة في نوع المساعدة. أحيانًا، المساعدة المالية المباشرة، بدلًا من حل المشكلة، تؤدي إلى الكسل أو الاعتمادية أو حتى الاستغلال. يقوم الشخص الحكيم والمسؤول بتقييم الظروف قبل تقديم المساعدة. هل الشخص محتاج حقًا؟ هل ستساعده مساعدتنا على الوقوف على قدميه أم ستزيد من اعتماده؟ هل من الأفضل تعليمه الصيد بدلًا من إعطائه سمكة؟ يأمر القرآن الكريم المؤمنين بالتصرف بحكمة وبصيرة. مساعدة الفرد الذي يحتاج إلى مهارات من خلال توفير التدريب وتوفير أدوات العمل، هي أكثر فاعلية بكثير من مجرد إعطائه المال. في هذا السياق، يعتبر دعم التنمية المستدامة والتعليم والصحة وبناء البنية التحتية في المجتمعات المحتاجة أشكالًا أعمق وأكثر استدامة من المساعدة وهي ذات قيمة عالية جدًا من المنظور الإسلامي. في الختام، يمكن القول إن مساعدة الآخرين في الإسلام فضيلة عظيمة وأمر إلهي، ولكن هذه الفضيلة يجب أن تمارس بحكمة وإخلاص وضمن إطار القواعد الشرعية والأخلاقية. المساعدة تكون 'صحيحة دائمًا' عندما تكون خالصة لوجه الله، ولا تعين على الإثم والعدوان، ولا تضر بالواجبات وحقوق الفرد وأسرته، وتكون مصحوبة بالحكمة والتدبير لتحقيق أفضل النتائج والخير الحقيقي للفرد والمجتمع. هذا المنظور الشامل يعزز روح السخاء والعطاء ويمنع في الوقت نفسه ظهور الأضرار وسوء الاستخدام. لذلك، فإن المساعدة بالالتزام بهذه المبادئ، ليست صحيحة فحسب، بل تُعتبر من أسمى مراتب الكمال الإنساني والعبودية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن تاجرًا كريمًا كان يعيش في مدينة، وقد اشتهرت كرمه وسخائه بين الناس. كان يقدم المساعدة للمحتاجين دون تردد أو سؤال، ويساعد كل من يطلب عونه. ذات يوم، جاء رجل فقير إليه متوسلاً الذهب. فأعطاه التاجر، دون تردد، كيسًا مليئًا بالذهب. في تلك الأثناء، كان درويش حكيم يراقب المشهد، فاقترب بلطف من التاجر وقال: 'يا سيدي النبيل، كرمك فضيلة عظيمة، ولكن أحيانًا تكون الهدية عبئًا. إني أعرف هذا الرجل؛ إنه يبدد ما يحصل عليه في القمار واللهو، ويقود نفسه وعائلته إلى الخراب. ذهبك الذي قدمته بأفضل نية، قد يدفعه أكثر نحو طريق الدمار بدلاً من النجاة.' تفاجأ التاجر في البداية، لكنه تأمل في كلمات الدرويش. أدرك أن الإحسان الحقيقي لا يقتصر على العطاء فحسب، بل على العطاء بما ينفع حقًا ودون أن يؤدي إلى الكسل أو الضرر. ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا، امتزج سخاؤه بالحكمة، وسعى لتقديم العون بطريقة تسمو بالأرواح حقًا، لا مجرد ملء الجيوب للحظة عابرة.

الأسئلة ذات الصلة