نعم، في القرآن الكريم، مساعدة المحتاجين ليست مجرد توصية بل واجب إلهي وعلامة على الإيمان الحقيقي، وتشمل الزكاة والصدقة وأشكال أخرى من المساعدة، مع إدانة شديدة لتركها.
نعم، بالتأكيد وبدون أي شك، في القرآن الكريم، يعتبر مساعدة المحتاجين ورعايتهم ليس مجرد توصية أخلاقية وعملاً حسناً، بل هو واجب شرعي واجتماعي وإنساني أساسي وجوهري. هذا الموضوع هو أحد المحاور الرئيسية للتعاليم الإسلامية وعلامة من علامات الإيمان الحقيقي والتقوى، وقد تم التأكيد عليه مراراً وتكراراً بلهجة حاسمة وواضحة في آيات متعددة من القرآن. لقد دعا الله تعالى مراراً وتكراراً في كتابه المؤمنين إلى الإنفاق والصدقة والزكاة وإطعام المساكين ورعاية الأيتام والمحتاجين، وفي المقابل، انتقد وذم بشدة أولئك الذين يتجاهلون هذا الواجب الحيوي. أحد أهم مظاهر هذا الواجب هو الفريضة الإلهية «الزكاة». الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة ورمز للعدالة الاجتماعية والاقتصادية. يعتبر القرآن الزكاة، إلى جانب الصلاة، من علامات المؤمنين الحقيقيين. الزكاة تعني الطهارة والنمو، والهدف منها ليس فقط مساعدة الفقراء، بل تطهير أموال الأغنياء من التعلقات الدنيوية وإيجاد دوران مالي في المجتمع. في سورة البقرة، الآية 277، يقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). هذه الآية تظهر بوضوح أن إيتاء الزكاة، إلى جانب الإيمان والعمل الصالح والصلاة، من لوازم الوصول إلى الطمأنينة والبعد عن الخوف والحزن في الآخرة، وتدل على وجوبها. أبعد من الزكاة الواجبة، فإن المفهوم الأوسع لـ«الصدقة» و«الإنفاق في سبيل الله» قد تم التأكيد عليهما بشدة في القرآن. الإنفاق يعني أي نوع من العطاء المالي أو غير المالي في سبيل الله، والصدقة تشمل جميع أنواع المساعدة والإحسان للمحتاجين. يشجع القرآن الكريم المؤمنين مراراً على الإنفاق مما يحبون، لكي يصلوا إلى درجة «البر» (الإحسان الحقيقي). يشمل هذا الإنفاق رعاية الأقارب، الأيتام، المساكين، عابري السبيل، والسائلين. وعد الله المنفقين بأجور عظيمة ومضاعفة، ويشبهه بالبذرة التي تنبت سبع سنابل، وفي كل سنبلة مائة حبة. هذا التشبيه يصور البركات المادية والمعنوية التي لا تعد ولا تحصى للإنفاق، ويحفز الناس على أداء هذا الواجب بسخاء. يؤكد القرآن أيضاً على «الحق المعلوم» للمحتاجين في أموال الأغنياء. وهذا يعني أن ما يُعطى للفقراء ليس مجرد شفقة أو تفضل، بل هو حقهم الثابت الذي وضعه الله في أموال الأغنياء. في سورة الذاريات، الآية 19، نقرأ: «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم). هذه الآية توفر أساساً مهماً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام، وتعزز الرؤية القائلة بأن الثروة في المجتمع يجب أن تدار بطريقة تلبي احتياجات جميع الأفراد، وخاصة المحرومين، بحيث لا يشعر أحد بالظلم أو الحرمان. نقطة أخرى مهمة هي ذكر العواقب الوخيمة للإهمال تجاه المحتاجين. يوبخ القرآن الكريم بشدة أولئك الذين يتجاهلون الفقراء والأيتام، ويعتبر عملهم علامة على إنكار الدين ويوم القيامة. سورة الماعون توضح ذلك بوضوح. في الآيات 1 إلى 7 من هذه السورة نقرأ: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون). هذه الآيات تدين بشدة إهمال اليتيم والمسكين، وتربطه بإنكار الدين ونفاق المصلين، حتى لو صلوا، إذا كانت روح العبودية ومساعدة الخلق غائبة فيهم. ويتم توبيخ أولئك الذين يمتنعون عن تقديم المساعدات البسيطة. هذه السورة لا تطرح واجب المساعدة المباشرة فحسب، بل تعتبر تشجيع الآخرين على إطعام المسكين واجباً أيضاً. بشكل عام، فإن رؤية القرآن بشأن مساعدة المحتاجين هي رؤية شاملة. هذا الواجب لا يشمل فقط العطاء المالي، بل يشمل أيضاً جميع أنواع المساعدة والدعم، سواء كانت عاطفية، جسدية، علمية، أو اجتماعية. يثني القرآن على الإنفاق في الظروف الصعبة وفي سبيل الله، ويعتبره علامة على صدق الإيمان. الهدف النهائي لهذا الواجب هو إقامة مجتمع قائم على العدل والتضامن والرحمة والكرامة الإنسانية، حيث لا يحرم أي فرد من حقوقه الأساسية بسبب الفقر والحاجة. هذا الواجب لا يعود بالفائدة على المحتاجين فحسب، بل ينقي قلب المنفق، ويسمو بروحه، ويجلب بركات مادية ومعنوية لا تعد ولا تحصى للفرد والمجتمع. لذلك، يمكن القول إن مساعدة المحتاجين في القرآن الكريم ليست مجرد واجب، بل هي العمود الفقري لحياة إيمانية ومسؤولة.
يحكي أحد قصص سعدي التعليمية عن تاجر ثري كان يعيش في مدينة، يملك كنوزاً لا تحصى، لكن قلبه كان كصحراء قاحلة، خالياً من السخاء. كان يأكل أطيب الطعام ويلبس أفخر الثياب، لكن لياليه كانت مضطربة وأيامه مليئة بالفراغ المؤلم. ذات يوم، مر درويش حكيم بقصره، ورأى وجه التاجر المتجهم باستمرار، فسأله: «يا صاحب الثروة، ما الذي يزعج قلبك؟ خزائنك تفيض، ولكن روحك تبدو عطشى.» تنهد التاجر وقال: «عندي كل شيء، ومع ذلك ليس عندي شيء. السلام يفر مني.» أجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: «نبع الفرح الحقيقي لا ينبع من التراكم، بل من العطاء. كما تمنح الشمس الضوء للعالم، كذلك يجب على المحظوظين أن ينيروا حياة الأقل حظاً. فبمشاركة خيرك، تضاعف بركاتك.» تأثر التاجر بهذه الكلمات، وبدأ يفتح يديه وقلبه. وزع الطعام على الجائعين، وكسى العرايا، ووفر المأوى للمشردين. شيئاً فشيئاً، بدأ تحول داخله. اختفى عبوسه، ليحل محله ابتسامة مشرقة. أصبحت لياليه هادئة، وامتلأت أيامه بالهدف. أدرك أن أعظم كنز لم يكن فيما يملك، بل في الفرح الذي جلبه للآخرين، ففي خدمة خلق الله، وجد الاتحاد الحقيقي مع الخالق.