يمكن للناس أن يصبحوا جحودًا بسهولة ، وهذا مذكور بوضوح في القرآن.
في القرآن الكريم، يتم وصف الإنسان بأنه كائن يميل إلى الجحود تجاه نعم الله. إن هذا الوصف يحمل معاني عميقة تدعو للتفكر والتأمل في طبيعة الإنسان ومكانته في هذا العالم. في سورة الإنسان، الآية 3، يقول الله تعالى: \"لقد خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة لنختبره، وسمعناه وبصرناه.\" تشير هذه الآية إلى أن الإنسان خُلق بقدرات معينة ولكنه أيضاً عرضة للاختبارات التي يختبرها الله تعالى. تخلق هذه الاختبارات علاقة مهمة بين الخالق والمخلوق، حيث يطلب الله من الإنسان أن يشكره على نعمه الكثيرة. إن واحدة من هذه الاختبارات هي الشكر على النعم. ففي سورة إبراهيم، الآية 34، يوضح الله تعالى: \"وهو الذي يعدد عليكم نعمه، وإن شكرتم لأزيدنكم، وإن كفرتم إن عذابي لشديد.\" هنا، يؤكد الله على أهمية الشكر ويبين أن من يشكر سيجد مزيداً من النعم. ففي هذا السياق، يُظهر الله تعالى كرمه وإحسانه للإنسان، ولكنه في ذات الوقت يحذر من جحود الإنسان وعدم شكره على تلك النعم. لكن الحقيقة هي أن الكثير من الناس ينسون بسهولة ما يجب أن يشكروا عليه. ففي سورة الزمر، الآية 49، جاء: \"وعندما تصيبه مصيبة، يدعونا؛ ولكن عندما نمنح له نعمة، يقول: إنما أُعطيت ذلك بفضل علمي.\" يعكس هذا الميل الطبيعي للإنسان نزعة نحو الأنانية وعدم الشكر. يظهر هذا التوجه في كثير من سلوكيات الناس، حيث يركزون في حالات الازدهار على إنجازاتهم الفردية وينسون فضل الله عليهم. إن الجحود يمكن أن نراه في مختلف مناحي الحياة. فقد يُعبر شخص عن افتقاره للامتنان في علاقاته الشخصية أو في عمله، حيث ينظر إلى ما لديه بكونه نتيجة لجهده الخاص دون الإقرار بأن هناك قوى أكبر عملت لفتح الأبواب له. يُعتبر هذا المسلك من سمات العصر الحديث، حيث تُقاس القيمة غالباً بما يمتلكه الفرد أو يحققه وليس بما يُعطى له. ومن ناحية أخرى، هناك عوامل متعددة تؤثر على ميول الإنسان للشكر والجحود. من بين هذه العوامل الطموح والطمع. الطموح، بجدية، قد يقود الإنسان إلى إنجازات أكبر ولكنه في ذات الوقت قد يجعله ينسى ما لديه من بركات. وبدلاً من أن يأخذ لحظة ليشكر الله على ما حققه، قد يستمر في البحث عن المزيد ولا يشعر بالرضا. أمّا الطمع، فهو يعتبر سمة قد تثقل كاهل الفرد، حيث تتزايد رغباته بشكل متزايد في الوقت الذي يقلص فيه من سعادته وشكره. إضافة إلى ذلك، تلعب الظروف الاجتماعية دوراً مهماً في تشكيل هويته النفسية. ففي المجتمعات التي تروج للقيم المادية، قد يشعر الأفراد بالضغط ليكونوا أكثر أنانية، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص مساحة الشكر والامتنان للآخرين ولله. ومع مرور الوقت، يصبح الشكر نادراً بينما تتزايد الشكاوى والسخط. ومع ذلك، هناك أيضا وجوب الاعتراف بأن الإنسان، على الرغم من ضعف ميله للشكر، يمتلك في داخله إمكانية النمو والتطور. فبالممارسة والتدريب، يمكن للإنسان أن يتعلم كيف يعبر عن امتنانه. إن الاستغفار وطلب الرحمة من الله يمكن أن يكون بداية جيدة لدخول دائرة الشكر الحقيقي. فالاعتراف بالنعم والامتنان لله يتطلب الوعي باللحظات الصغيرة والكبيرة في الحياة. يمكن للأفراد أن يتبنيوا أساليب بسيطة لتعزيز مشاعر الشكر في حياتهم، مثل كتابة تفاصيل النعم التي يمتلكونها وتسجيل اللحظات التي شعروا فيها بالامتنان. إن مشاركة هذه المشاعر مع الآخرين يمكن أن تعزز الوعي المجتمعي بأهمية الشكر وتحارب النزعة الاستهلاكية والأنانية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن الشكر ليست مجرد كلمات تقال، بل هي أفعال تُترجم في الحياة اليومية. فقد يكون الشكر من خلال مساعدة الآخرين وإظهار التعاطف واللطف، حيث أن مشاركة النعم مع الآخرين يعزز من العلاقة مع الله ومع المجتمع. في الختام، إن الجحود تجاه نعم الله هو ميل طبيعي لدى الإنسان، ولكنه ليس حتمياً. من خلال الوعي، التدريب، والتمارين الذهنية، يمكن للفرد أن يكسر دائرة الجحود ويعيش في حالة من الشكر الدائم لله تعالى. إن اللحظات التي نشعر فيها بالامتنان لا تقتصر فقط على الأمور العظيمة، بل تشمل أيضاً اللحظات البسيطة في حياتنا اليومية، مما يجعل كل إنسان يستشعر قيمة وجوده ورحلته في هذه الحياة.
في يوم من الأيام، كان عادل يتأمل في حياته ويتساءل عما هو الأهم بالنسبة له. بعد مراجعة الآيات القرآنية، أدرك أنه يجب على الناس أن يكونوا شاكرين لنعم الله. ذات يوم، قرر أن يتذكر الله دائمًا وأن يدمج الشكر في روتينه اليومي. تدريجياً، لاحظ أن هذا التغيير الصغير جلب المزيد من السلام والسعادة إلى حياته.