الصمت أمام الخطيئة ليس صحيحًا ، ويجب علينا المواجهة بالدعوة إلى الخير ومنع المنكرات.
يعتبر القرآن الكريم مرجعاً أساسياً في توجيه سلوكيات الأفراد وتحديد مفاهيم الصواب والخطأ في حياة المسلمين. إنه ليس مجرد كتاب يتضمن أحكاماً دينية، بل هو مدرسة أخلاقية تربوية تربي النفوس على الفضيلة وتحثها على التغيير الإيجابي. الصمت عن الخطيئة والفساد يعتبر من أكبر المعضلات التي تواجه المجتمعات، إذ يتطلب منا التفاعل الإيجابي والوعي بضرورة القيام بواجبنا كبشر كأفراد في مجتمع يسعى لتحقيق العدالة والخير. في هذا السياق، نجد أن الله عز وجل قد أوضح في سورة آل عمران، في الآية 104، أهمية مسؤولية المؤمنين في الدعوة إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. يقول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، مما يعني أنه عندما يشهد المؤمن خطيئة أو فسادًا، فإن مسؤولية التدخل لتصحيح الوضع تقع على عاتقه. فهذا الأمر الرباني يظهر جلياً أن التوقف عن الفعل أو التظاهر بعدم رؤية الخطيئة يعتبر نوعًا من التساهل الذي قد يؤدي إلى تفشي الفساد وعدم احترام المعايير الأخلاقية. الصمت أمام الخطيئة يُعَد في كثير من الأحوال بمثابة قبول ضمني بها، مما يؤدي إلى تزايد اللامبالاة لدى الأفراد تجاه القضايا المجتمعية. إن عدم اتخاذ الموقف المناسب يعني تحمل النتائج السلبية المترتبة على ذلك، ويظهر غياب المسؤولية الفردية. فكما جاء في سورة المائدة، الآية 78، حيث يقول الله: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات ومن الهدى من بعد ما بيناه للناس أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون". تعبر هذه الآية بوضوح عن خطورة كتمان الحقائق. إن كتمان الحقائق يعني تقبل الباطل ورفض الحق، وهذا تراجع أخلاقي ومجتمعي لا يمكن القبول به. وفي سورة التوبة، الآية 71، نجد أيضاً إشارة واضحة إلى أن واجب المؤمن هو عدم السكوت على الظلم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُقْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. تُعَد هذه الآية رسالة واضحة بمكانة العمل الجماعي في نشر الفضيلة ورفض أي شكل من أشكال الظلم. إن مواجهة الخطيئة ليست مجرد واجب ديني، بل هي ضرورة مجتمعية. فالمجتمع الذي يُسكت على الجرائم والفساد فإنه يُسهِّل على المجرمين والمفسدين استمرارية أفعالهم. كذلك، يعتبر الصمت عن الخطيئة بمثابة هدم للقيم الأخلاقية التي تشكل أساساً عميقاً للحياة الاجتماعية. وإذا تزايد عدد الأفراد الذين يستمرؤون الصمت، فإن التفاوتات الاجتماعية تتعاظم وتزداد الفجوات بين القيم الأخلاقية. إن مواجهة الخطيئة تتجاوز مجرد الحديث عن المسؤوليات؛ بل تتطلب أيضاً التعلم والوعي بأسس التعامل مع تلك المواقف وكسب ثقافة الرفض، وتربية الأجيال القادمة على رفض الفساد بكافة أشكاله. إن تعزيز ثقافة الداعية إلى الحق، والترغيب في البعد عن الخطيئة، يمكن أن يسهم بشكل إيجابي في تصحيح المسار. كما يمكن للمؤمنين إقامة فعاليات توعوية، وتنظيم ورش عمل ومؤتمرات تناقش أهمية عدم السكوت عن أي شكل من أشكال الفساد، جنبا إلى جنب مع نشر التطبيقات والقصص الإسلامية التي تدعو إلى الفهم السليم لما يجب على الأفراد القيام به عند مواجهة الخطيئة. ختامًا، الصمت أمام الخطيئة لا يُعتبر خيارًا مقبولًا وفق تعاليم القرآن؛ فهو يُلقي بظلاله السلبية على المجتمع فيعمق الفساد، وينشر اللامبالاة. فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة هو التحلي بالشجاعة والصدق في تصحيح الأوضاع والمواقف، والإسهام في بناء مجتمع يرفل في القيم الإنسانية والخيالية والتي هي جزء لا يتجزأ من تعاليم ديننا الحنيف. لذا، علينا جميعاً أن نكون صوت الحق، وأن نتحرك بوعي وفاعلية لننشر الخير ونعمل على منع كل ما هو منكر، فالنجاح في هذا السبيل رهين بما نقوم به من أفعال ومبادرات تعزز من القيم والمبادئ النبيلة.
في يوم من الأيام ، كان مجموعة من الشباب يجلسون في مسجد يتحدثون عن الخطيئة وعواقبها. قال أحدهم ، واسمه محمد: "أنا دائمًا أُغض بصري عن أخطاء الآخرين وأظل صامتًا لأنني لا أريد أن أؤذيهم." لكن أحد الشيوخ الذي كان حاضرًا قال: "عزيزي ، يعني الصمت أمام الخطيئة قبولها. لدينا واجب دعم بعضنا البعض ، وإذا رأينا شخصًا مخطئًا ، يجب علينا أن نوجهه بلطف." جعلت هذه الكلمات محمد يتفكر وقرر ألا يكون فقط متفرجًا بل أن يساعد أصدقائه على البقاء في المسار الصحيح.