هل النجاح دائمًا علامة على المسار الصحيح؟

لا، النجاح الدنيوي ليس دائمًا علامة على المسار الصحيح. يؤكد القرآن أن النجاح الحقيقي يكمن في التقوى، والرضا الإلهي، والنجاة الأخروية، وأن الأموال قد تكون وسيلة اختبار أو حتى استدراج.

إجابة القرآن

هل النجاح دائمًا علامة على المسار الصحيح؟

من منظور تعاليم القرآن الكريم العميقة والمثمرة، فإن الإجابة على سؤال ما إذا كان النجاح دائمًا علامة على المسار الصحيح هي «لا» قاطعة. يختلف فهم مفهوم النجاح في الإسلام اختلافًا جوهريًا عن التصور السائد والمادي البحت له في عالم اليوم. يعلمنا القرآن أن النجاح الحقيقي لا يكمن في تكديس الثروة أو السلطة أو الشهرة أو المناصب الدنيوية، بل في تحقيق الرضا الإلهي، وطهارة النفس، والتقوى، والعدل، والالتزام بالقيم الأخلاقية والروحية. هذا اختلاف أساسي في المنظور يغير نظرة الإنسان للعالم بأكمله. لقد حقق الكثيرون على مر التاريخ وحتى في الوقت الحاضر نجاحات مادية كبيرة، لكن هذه النجاحات لم تكن دليلاً على صحة مسارهم فحسب، بل في بعض الأحيان أبعدتهم عن طريق الحق وأدت إلى هلاكهم. فرعون مثال ساطع على هذه الحالة، فبالرغم من قوته وثروته اللامحدودة، كان رمزًا للطغيان والضلال، وفي النهاية هلك. كذلك قارون، بكل كنوزه وثرواته، غرق في الأرض بسبب غروره وكبريائه، بينما كان يُعتبر ظاهريًا «الأكثر نجاحًا» في عصره من الناحية المادية. يصرح القرآن الكريم بوضوح أن الأموال والأولاد قد تكون فتنة للإنسان، أي وسيلة للاختبار والامتحان. في سورة الأنفال الآية 28 نقرأ: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»؛ أي «واعلموا أن أموالكم وأولادكم ما هي إلا اختبار، وأن عند الله أجر عظيم.» تُظهر هذه الآية أن النجاحات الدنيوية يمكن أن تكون أدوات لقياس إيماننا وتقوانا. هل نستخدم هذه الثروات في سبيل الله أم نجعلها مصدرًا لغرورنا وطغياننا؟ هل نربي أبناءنا وفقًا لتعاليم الله أم ندفعهم نحو حب الدنيا؟ هذه هي الأسئلة التي تكمن في جوهر مفهوم «الفتنة». في بعض الأحيان، يُطرح النجاح الدنيوي، حتى لأولئك الذين انحرفوا عن طريق الحق، كنوع من «الاستدراج» أو الإمهال التدريجي من الله. الاستدراج يعني أن الله يعطي العاصي والمتغطرس المزيد من النعم والنجاحات ليغوص أعمق في الضلال، وفي النهاية يتعرض لعقاب أشد. هذه حيلة إلهية تبدو كمكافأة ولكنها في الواقع عذاب. في سورة الأعراف الآية 182 نقرأ: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ»؛ أي «والذين كذّبوا بآياتنا، سوف نُدنييهم إلى الهلاك تدريجيًا من حيث لا يعلمون.» تُظهر هذه الآية بوضوح أن النجاح الظاهري لبعض الأفراد قد يكون نتيجة لهذا الإمهال الإلهي، وليس علامة على رضا الله. في المقابل، يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الثواب الحقيقي والنجاح الفعلي يكمن في الآخرة. فالحياة الدنيا زائلة وفانية، وجميع لذاتها وإنجازاتها لا تُذكر ولا تُقارن بالأبدية. في سورة آل عمران الآية 185 ورد: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»؛ أي «كل نفس ذائقة الموت، وإنما تُعطون أجوركم كاملة يوم القيامة. فمن أُبعد عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز حقًا. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.» تحدد هذه الآية بوضوح معايير النجاح الحقيقي: النجاة من نار جهنم ودخول الجنة. هذا هو النجاح الدائم والأبدي، لا الإنجازات الدنيوية المؤقتة. لذلك، لتحديد صحة المسار، لا يجب النظر فقط إلى النتائج الظاهرية والمادية. بل يجب الانتباه إلى المعايير القرآنية: هل يتمتع الشخص بالتقوى الإلهية؟ هل يعمل بالواجبات الإلهية ويتجنب المحرمات؟ هل يحترم حقوق الناس ويحافظ على العدل؟ هل يتحلى بالصبر في مواجهة المشاكل ويتوكل على الله؟ هل أعماله تتوافق مع رضا الله؟ هذه هي المؤشرات الأساسية لصحة المسار. قد يكون شخص في ضائقة مالية ظاهرية أو يواجه تحديات كثيرة، لكنه مقرب من الله ويسير على الطريق الصحيح. وعلى العكس، قد يكون شخص في قمة الرفاهية والقوة، لكنه سقط روحيًا ويسير على طريق الباطل. يعلمنا القرآن أن ننظر دائمًا إلى جوهر الأمور وعواقب الأعمال، وليس فقط إلى المظاهر الزائلة. ونتيجة لذلك، فإن النجاح الدنيوي مؤشر خادع ولا يمكن اعتباره معيارًا قاطعًا لصحة المسار، بل المعايير الحقيقية هي داخلية وروحية، والتي تحدد طريق السعادة. في الختام، تُذكّرنا هذه الرسالة من القرآن الكريم أن نُؤسس قيمنا وأولوياتنا على الحقيقة والديمومة، لا على الماديات الزائلة. النجاح الحقيقي هو السير على طريق العبودية والطاعة لأوامر الله، حتى لو واجهنا في هذا الطريق صعوبات وحرمانًا دنيويًا. لأن نهاية هذا الطريق هي الفلاح والنجاة الأبدية التي لا يمكن مقارنة أي نجاح دنيوي بها. يجب أن ننتبه بعمق إلى أن الله في سورة لقمان الآية 27 يقول: «وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» أي «ولو أن كل ما في الأرض من شجر أقلام، والبحر يمد من بعده سبعة أبحر، ما نفدت كلمات الله. إن الله عزيز حكيم.» هذه الآية، وإن لم تكن مباشرة عن النجاح، تشير بلطف إلى عظمة ولامحدودية علم وحكمة الله التي تفوق الإدراك البشري المحدود. لذلك، فإن معايير الله للـ«حق» و«الباطل» و«النجاح» تتجاوز تصوراتنا عن السعادة الدنيوية الزائلة. الخلاص الحقيقي يكمن في اتباع الحكمة الإلهية والانضمام إلى القافلة التي تهتدي بنور القرآن، لا بالبريق الزائف والفاني للدنيوي. باختصار، يحذرنا القرآن من الانخداع بالمظاهر وأن نستمد معايير الحكم على المسار الصحيح من المصادر الإلهية. الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى النجاة الأبدية ورضا الرب هو الطريق الذي بُني على التقوى، والإيمان، والعمل الصالح، والصبر، والتوكل على الله، بغض النظر عن مقدار النجاحات المادية والظاهرية التي يحققها الإنسان في هذا الطريق. يمنح هذا المنظور الإنسان سكينة وبصيرة عميقة، ليظل غير ضائع في تعقيدات الحياة، ويحافظ دائمًا على الهدف الرئيسي من خلقه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في زمان سعدي، كان هناك تاجر غني وناجح جدًا، يمتلك ثروة طائلة ويجني أرباحًا هائلة من كل تجارة يقوم بها. كان يمتلئ بالغرور والكبر، ويعتقد أن هذه النجاحات هي علامة على تفوقه وصحة مساره. كلما طلب منه أحد النصيحة، كان يقول بتباهٍ: «انظروا كيف يحبني الله ويباركني!» في نفس المدينة، كان يعيش درويش بسيط القلب وعارف نقي الروح، لم يكن يملك شيئًا من الدنيا، لكن قلبه كان مليئًا بنور الإيمان والتقوى. كان الناس يحبونه ويلجأون إليه لطلب إرشاده الروحي. ذات يوم، قال التاجر للدرويش بتكبر: «أيها الدرويش، ما الذي أصابك لتعيش هذه الحياة الفقيرة؟ ألا ترى أن الله قد أكمل نعمته عليّ وجعلني ناجحًا؟» ابتسم الدرويش وقال: «صديقي، في معبر الحياة، النجاح الحقيقي يكمن في القلب النقي والروح المتحررة من قيود الدنيا. أحيانًا يعطي الله الأموال الدنيوية لمن نسوه، ليغرقوا أكثر في الغفلة ويظنوا أنهم محبوبون لديه، بينما هذا ليس إلا اختبارًا. وأحيانًا يختبر من يحبهم بالفقر ليقوى إيمانهم. تذكر أن نهاية كل طريق هي معيار صحته، لا بدايته البراقة.» تأمل التاجر في هذه الكلمات، وبعد ذلك، إثر تغيرات الزمان وفقدان ثروته، أدرك حقيقة كلمات الدرويش وفهم أن المعيار الحقيقي ليس ما يحصل عليه الإنسان، بل هو النية التي يسير بها والمسار الذي يختاره.

الأسئلة ذات الصلة