ما هو منهج القرآن في العدالة الاقتصادية؟

يؤكد القرآن على العدالة الاقتصادية، معتبرًا الثروة أمانة إلهية. ويسعى، من خلال أحكام مثل الزكاة وتحريم الربا والدعوة إلى التوزيع الواسع للثروة، إلى مجتمع عادل وخالٍ من الاستغلال.

إجابة القرآن

ما هو منهج القرآن في العدالة الاقتصادية؟

إن منهج القرآن الكريم للعدالة الاقتصادية هو منهج شامل، جوهري، ومتداخل بعمق مع الإطار الأخلاقي والقيمي العام للإسلام. يؤكد القرآن على أن الثروة والموارد الطبيعية هي أمانة من الله، يجب استخدامها لصالح وخير المجتمع بأكمله، بدلاً من حصرها في أيدي قلة مختارة. الهدف الأسمى هو إقامة مجتمع يقل فيه الفقر إلى أدنى حد، وتُقضى فيه على الاستغلال والظلم الاقتصادي، ويتمتع فيه كل فرد بفرص متساوية للنمو والازدهار. هذا المنظور لا يركز فقط على الجوانب المادية، بل يتناول أيضًا الأبعاد الروحية والأخلاقية لكسب المال والإنفاق، لضمان أن الدورة الاقتصادية تمهد الطريق لتقدم الإنسان وتبقى بعيدة عن أي فساد أو ظلم. أحد الركائز الأساسية للعدالة الاقتصادية في القرآن هو مفهوم الزكاة والصدقات. الزكاة فريضة إلهية تُفرض على المسلمين الأثرياء، وتُلزمهم بدفع نسبة معينة من ثرواتهم سنويًا للفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل والفئات الأخرى المحددة في القرآن (مثال: سورة التوبة، الآية ٦٠). يصف القرآن الزكاة بأنها وسيلة "تطهير" للأموال والنفوس (التوبة، الآية ١٠٣: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"؛ خذ يا محمد من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها من الذنوب وتبارك لهم في أموالهم، وادع لهم؛ فإن دعاءك سكينة وطمأنينة لهم؛ والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم ونواياهم). هذا النظام لا يساهم فقط في إعادة توزيع الثروة، بل يعزز أيضًا الشعور بالمسؤولية الاجتماعية بين الأغنياء ويمنع التراكم المفرط للثروة وتشكيل فجوات طبقية عميقة. الزكاة تضمن حدًا أدنى من المعيشة للمحتاجين، وتوفر شبكة أمان اجتماعية مستدامة. هذا الحكم الإلهي يوضح بجلاء أن الثروة المتراكمة في المجتمع الإسلامي تحمل في طياتها حقًا للمحرومين، وأن الأغنياء ليسوا مالكين مطلقين لها، بل هم أمناء يجب عليهم مراعاة حقوق الآخرين، واستخدام أموالهم في سبيل مرضاة الله ومساعدة عباده. جانب آخر حيوي هو تحريم الربا (الفائدة). يدين القرآن الربا بشكل قاطع، ويعتبره خطيئة كبرى وعملاً من أعمال الظلم يتعارض مع التجارة المشروعة (البقرة، الآية ٢٧٥: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"؛ الذين يتعاملون بالربا لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا قيام الذي يتخبطه الشيطان من الجنون. ذلك لأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا في كونه حلالاً. وقد أحل الله البيع وحرم الربا. فمن جاءه موعظة من ربه فيها النهي عن الربا فانتهى، فله ما مضى من ماله قبل التحريم، وأمره إلى الله فيما يستقبل من أمره. ومن عاد إلى التعامل بالربا بعد أن بلغه النهي، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). تحريم الربا مهم لأنه يؤدي إلى تركز الثروة في أيدي قلة، واستغلال الطبقات الفقيرة، وخلق ديون لا يمكن سدادها. الاقتصاد المبني على الربا يميل إلى إبطاء الإنتاج الحقيقي ويشجع على المعاملات الورقية والمضاربات، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والأزمات المالية. في المقابل، يشجع الإسلام على المشاركات (المضاربة، والمشاركة) والاستثمارات المنتجة التي يتم فيها تقاسم المخاطر والأرباح بين الأطراف، مما يؤدي إلى عدالة اقتصادية أكثر استدامة. هذا التحريم يضع الأساس لاقتصاد أخلاقي يهدف إلى النمو والرفاه العام، لا إلى التراكم غير المحدود للثروة من قبل فئة قليلة في المجتمع على حساب غالبية الناس. بالإضافة إلى ذلك، يشدد القرآن على العدل والإنصاف في جميع المعاملات الاقتصادية. فهو يطلب من البائعين والمشترين عدم الغش في الموازين والمكاييل (المطففين، الآيات ١-٦)، والوفاء بالعهود، والابتعاد عن الخداع والغش في المعاملات. هذا التركيز على الأخلاق في الأعمال يضمن جوًا من الثقة والصدق، وهو أمر ضروري لاقتصاد سليم. كما يحترم القرآن الملكية الخاصة، ولكنه لا يعتبرها مطلقة، بل يؤكد على المسؤوليات الاجتماعية للمالكين. يعتبر اغتصاب أموال الآخرين، والاحتكار (الذي يضر بالسوق والناس)، والتبذير (الإسراف والإنفـاق بلا فائدة) مذمومين بشدة، لأن هذه الأفعال تؤدي إلى انتهاك حقوق الآخرين وتعطيل التوازن الاقتصادي للمجتمع. وكذلك، يصر القرآن على التوزيع الواسع للثروة ومنع تداولها فقط بين الأغنياء. تنص الآية ٧ من سورة الحشر: "مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ"؛ ما أفاء الله على رسوله من أموال أهل القرى فهو لله ولرسوله، ولذوي قرابته من بني هاشم وبني المطلب، وللأيتام، وللفقراء والمحتاجين، وللمسافر الذي انقطع به المال؛ لكي لا تكون هذه الأموال متداولة بين الأغنياء وحدهم دون الفقراء. هذه الآية تضع مبدأً أساسيًا: يجب أن تكون السياسات الاقتصادية والاجتماعية مصممة بطريقة تضمن تداول الثروة بعدالة في المجتمع وألا تصبح حكرًا على فئة معينة. يتحقق ذلك أيضًا من خلال قوانين مثل الميراث، التي توزع التركة بعد وفاة الفرد على مجموعة واسعة من الورثة، مما يمنع تراكمها وراثيًا في عائلة واحدة. هذه القوانين تساهم في الديناميكية الاقتصادية وخلق الفرص للأجيال الجديدة وتمنع إقامة الأرستقراطية والاحتكار الوراثي. باختصار، منهج القرآن للعدالة الاقتصادية هو منهج شمولي يركز على الجوانب الاقتصادية الكلية (مثل توزيع الثروة وتداولها) وعلى السلوكيات الاقتصادية الجزئية (مثل السلوك الفردي في المعاملات). هذا المنهج لا يهدف فقط إلى تلبية الاحتياجات الأساسية وضمان المعيشة، بل يؤكد أيضًا على الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وتشجيع العمل والإنتاج، وإقامة مجتمع قائم على التضامن والتعاون. يرسم القرآن صورة لاقتصاد تكون فيه الثروة أداة لتحقيق السعادة الفردية والجماعية، وليست مصدرًا للطغيان والانقسام. إنه دعوة إلى نظام اقتصادي قائم على الأخلاق، حيث يتم السعي وراء الربح بهدف ومسؤولية، وتُشارك الثروة برحمة وعدل، لضمان رخاء الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع على حد سواء.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري يملك أموالاً وفيرة ويعيش في ترف، لكنه كان غافلاً عن حال الفقراء والمساكين في مدينته. كان بطنه شبعان وثيابه فاخرة ليلاً، بينما ينام جيرانه جائعين. ذات يوم، مر رجل عجوز حكيم بجوار منزله. رآه التاجر وسأله بسخرية: 'أيها الشيخ، ما الذي حل بك حتى أصبحت بهذه الثياب البالية والضعف؟' أجاب الشيخ بابتسامة رقيقة: 'يا فتى، هذا هو حال من يقنع في هذه الدنيا ولا يتعلق بزينتها الزائلة. أما أنت، يا من تملك كل هذا الثراء، هل تعلم أن المال نعمة إذا أُنفق في سبيله الصحيح، وبلاء إذا أدى إلى الغفلة والطغيان؟ لقد قال الله في القرآن: 'كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ'. فلتخزن في خزائنك كنوز الكرم والجود فقط، فإنها الأبقى وستمنحك مقاماً رفيعاً عند ربك.' شعر التاجر بالخجل من كلام الشيخ، وتاب في قلبه، ومنذ ذلك الحين، أنفق ماله بالعدل والبر، وبقي اسمه معروفاً بالخير بين الناس، وحلت البركة في ماله ونفسه.

الأسئلة ذات الصلة