ما هو رأي القرآن في جمع الثروة المفرط والرأسمالية؟

يدين القرآن الكريم جمع الثروة المفرط ويؤكد على العدالة الاقتصادية والإنفاق وتحريم الاكتناز. الثروة أمانة إلهية يجب استخدامها لخير المجتمع، وليس للتفاخر أو الطغيان.

إجابة القرآن

ما هو رأي القرآن في جمع الثروة المفرط والرأسمالية؟

القرآن الكريم، بصفته كتاب الهداية الإلهية، يتبنى موقفًا متوازنًا وشاملاً تجاه المال والثروة. فبينما يجيز، بل ويشجع في بعض الحالات، كسب الرزق الحلال والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي، فإنه يعارض بشدة التكديس المفرط للثروة والرأسمالية غير المقيدة التي تضر بالمجتمع وتؤدي إلى الظلم. ينظر القرآن إلى الثروة كأداة؛ إنها وسيلة لتحقيق أهداف أسمى مثل مساعدة المحتاجين، ونشر العدل، وإعمار الأرض، وليست غاية نهائية للتكاثر والافتخار. من المنظور القرآني، المال والثروة هما أمانة إلهية في يد الإنسان يجب استغلالهما وفقاً للمبادئ الإلهية والمعايير الأخلاقية، وإنفاقهما في سبيل الخير والصلاح. من أهم المفاهيم التي يطرحها القرآن فيما يتعلق بتكديس الثروة المفرط هو مفهوم «الكنز». الكنز يعني تجميع الذهب والفضة وغيرها من الأموال بقصد عدم إنفاقها في سبيل الله أو عدم دفع الحقوق المالية الواجبة. يذم القرآن بشدة الكانزين ويتوعدهم بعواقب وخيمة في الآخرة. تشير الآيتان 34 و 35 من سورة التوبة بوضوح إلى هذا الأمر، حيث يقول تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ". توضح هذه الآيات بجلاء أن مجرد تجميع الثروة ليس هو الهدف، بل إن عدم استخدامها بشكل صحيح والبخل في طريق الإنفاق ومساعدة المحتاجين هو أمر مذموم ومكروه. يجب أن تكون الثروة متداولة وتلعب دوراً فعالاً في اقتصاد المجتمع، لا أن تبقى راكدة وتستخدم فقط كمصدر للتباهي أو أداة للقوة. يؤكد القرآن بشدة على مفهوم "العدالة الاقتصادية". إن هدف النظام الاقتصادي في الإسلام هو التوزيع العادل للثروة ومنع تركزها في أيدي قلة محددة. تذكر الآية السابعة من سورة الحشر: "لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ"، أي "لكي لا يكون (المال) متداولاً بين الأغنياء منكم فقط". هذه الآية تمثل مبدأً أساسياً في الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى منع الاحتكار وخلق الفوارق الطبقية. يسعى الإسلام من خلال آليات مثل الزكاة، والصدقات، والخمس، والوقف، إلى تدوير الثروة في المجتمع ودعم المحرومين. الزكاة، كفريضة مالية واجبة، ليست فقط مطهّرة للمال، بل تعمل أيضاً كتأمين اجتماعي للفقراء والمساكين وتقلل الفجوة الطبقية. هذه الآليات ضرورية ليس فقط لدعم المستضعفين ولكن لضمان الصحة والحيوية الشاملة لاقتصاد المجتمع. إضافة إلى ذلك، يعارض القرآن بشدة "الإسراف" و"التبذير" (التبديد المفرط وغير الهادف للمال). غالباً ما يرتبط التكديس الرأسمالي المفرط بالاستهلاك المفرط والإسراف، وهو ما يعتبره القرآن من أعمال الشيطان. تقول الآية 27 من سورة الإسراء: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا". هذا النهي عن الإسراف يشمل الإسراف في الاستهلاك الشخصي، والاستثمارات غير المنتجة وغير الهادفة، وأي شكل من أشكال إهدار الموارد. من ناحية أخرى، يؤكد القرآن على "القناعة" و"الاعتدال" في جميع أمور الحياة، بما في ذلك اكتساب الثروة وإنفاقها. هذا التوازن يعني الابتعاد عن الجشع والطمع اللامحدود، وفي الوقت نفسه، السعي للاستفادة من النعم الإلهية. يشير القرآن أيضاً إلى طبيعة الثروة كاختبار. ففي العديد من الآيات، تُقدم الثروة على أنها "فتنة" أو "اختبار" للإنسان. كيف يستخدم الإنسان ثروته؟ هل يطغى بها وينتهك حقوق الآخرين، أم يستخدمها في سبيل الخير والإعمار؟ هذا المنظور للثروة كمسؤولية واختبار، يذكر الإنسان بأن الثروة ليست لمجرد المتعة الشخصية، بل هي وسيلة للوصول إلى الكمال والقرب الإلهي. لذلك، بينما تُعتبر الرأسمالية بمعنى خلق القيمة، وريادة الأعمال، وتوليد الثروة ضمن الأطر الشرعية والأخلاقية جائزة، فإن أي شكل من أشكال الرأسمالية المفرطة التي تؤدي إلى الظلم، والاستغلال، والاحتكار، والربا، وإهمال حقوق الفقراء، مرفوضة ومحرمة بشدة من منظور القرآن. يتبنى الإسلام نظاماً اقتصادياً قائماً على العدالة الاجتماعية، والتعاون، والمسؤولية، حيث يجب أن تكون الثروة في خدمة الإنسان والقيم الإلهية، لا أن يصبح الإنسان عبداً للثروة وجشعه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في روضة السعدي (البستان) أن رجلاً كان ذا مال وفير وغنىً عظيم، لكنه لم يكن يعطي أحداً شيئاً من ثروته، بل كان دائم الانشغال بزيادة ماله. كان يكدس الثروة يومياً، لكنه لم يكن يجد فيها لذة، بل كان يعيش في خوف دائم من فقدانها ويخشى الفقر والعوز في المستقبل. ذات يوم، رآه جار فقير يعيش بقناعة تشبه قناعة الدراويش، فقال له: «يا صاح، إذا كان هذا الثراء كله يجلب لك السكينة، فلماذا وجهك عابس دائماً وتشم منك رائحة الخوف؟» تنهد الرجل الغني وقال: «هذا المال كالمياه المالحة؛ كلما شربت منها أكثر، ازددت عطشاً وزاد عذابي. أتمنى الراحة لكن هذا المال قد استعبدني بدلاً من أن يجلب لي الطمأنينة.» يذكرنا سعدي بهذه القصة أن تكديس الثروة إذا كان مصحوباً بالبخل والخوف من المستقبل، فإنه لا يجلب السعادة بل يصبح مصدراً للألم والضيق، وأن الراحة الحقيقية تكمن في القناعة والعطاء، لا في التكديس اللامحدود.

الأسئلة ذات الصلة