متى يجب الصمت ومتى لا يجب؟

يؤكد القرآن الكريم على الحكمة في الكلام. الصمت فضيلة عندما يكون الكلام باطلاً أو ضاراً، ولكن الكلام يصبح واجباً عندما يتعلق الأمر بالحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إجابة القرآن

متى يجب الصمت ومتى لا يجب؟

القرآن الكريم، وهو مصدر الهداية للبشرية، لا يقدم توجيهات مباشرة وصريحة تقول: "اصمت في هذا الوقت وتكلم في ذاك الوقت". ومع ذلك، من خلال التدبر في آياته الكريمة، يمكن استنباط مبادئ ومعايير واضحة لتمييز متى وكيف يجب التحدث أو الصمت. المحور الأساسي لهذه التعاليم يدور حول الحكمة في الكلام، والامتناع عن الكلام الباطل والضار، والتأكيد على القول الحق والمفيد. من وجهة نظر القرآن، الصمت فضيلة مدحها في كثير من الأحيان، ولكن ليس بمعنى مطلق أو دائم. الصمت محمود جداً عندما لا يؤدي الكلام إلا إلى الفساد، أو الجدال، أو الغيبة، أو الافتراء، أو الكذب، أو أي شكل من أشكال الكلام الباطل. يحذر الله المؤمنين في آيات عديدة من اللغو، ويعتبره من صفات المؤمنين الحقيقيين الذين يعرضون عن اللغو. على سبيل المثال، في سورة المؤمنون، الآية 3، يقول: "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ" (والذين هم عن الكلام الباطل معرضون). هذه الآية تبين بوضوح أن الكلام الذي لا فائدة منه، أو الأسوأ من ذلك، الذي يسبب ضرراً، يجب تركه ويجب اختيار الصمت أمامه. الغيبة والافتراء من الكبائر التي ذمها القرآن بشدة. ففي الآية 12 من سورة الحجرات، يشبه الله الغيبة بأكل لحم الأخ الميت، مما يدل على قبح وفظاعة هذا العمل. لذا، في مجالس الغيبة والافتراء وسوء القول، يكون الصمت، وحتى مغادرة المجلس، من أوجب الأعمال. وكذلك، يكون الصمت حكيماً جداً عندما يفتقر الفرد إلى المعرفة الكافية، أو عندما يؤدي كلامه فقط إلى النزاع والجدال العقيم. يدعو القرآن الكريم إلى المجادلة بالتي هي أحسن، لكن الجدال بمعنى النزاع والخصام اللفظي دون هدف الهداية والإصلاح، مذموم. الصمت أمام الجاهلين ومن يقصدون الجدال العقيم، يُعد من صفات عباد الرحمن، كما ورد في سورة الفرقان، الآية 63: "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). هذا النوع من الصمت لا يعني عدم مواجهة الظلم، بل يعني عدم الدخول في دائرة اللغو والجدال العقيم. من ناحية أخرى، هناك أوقات لا يكون فيها الصمت فضيلة فحسب، بل هو عين الذنب والتقصير. يحث القرآن الكريم المؤمنين على "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". هذا الواجب يستلزم الكلام، والنصيحة، وتوجيه الآخرين. في سورة آل عمران، الآية 104، جاء: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). الصمت في وجه الظلم، والمعصية، والانحرافات، في حين توجد القدرة على الكلام والإصلاح، مذموم في القرآن. في سورة النساء، الآية 135، يؤكد القرآن على ضرورة الشهادة بالحق، حتى ضد النفس أو الأقارب: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين). هذه الآية تبين أن قول الحق في كل الظروف، حتى مع صعوبة، هو من أوجب الواجبات، وفي هذه الحالات لا يجوز الصمت. كما يُنصح بشدة بالكلام بنية طيبة، من أجل نشر العلم، والهداية، وتهدئة الآخرين، وإقامة الحق. أمر القرآن الكريم موسى وهارون (عليهما السلام) عند مواجهة فرعون أن يتحدثا معه بلين: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" (طه، 44) (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى). هذا يدل على أنه حتى في التعامل مع الظالمين، إذا كان هناك أمل في هدايتهم، يجب التحدث بكلمات طيبة ولينة. بالإضافة إلى ذلك، الكلام لذكر الله، وتلاوة القرآن، وكل ما يجلب رضا الله، من أعلى الفضائل الكلامية. باختصار، المعيار القرآني للكلام أو الصمت هو المنفعة، والحق، والآثار الإيجابية أو السلبية للكلام. الصمت في مواجهة الباطل، واللغو، والغيبة، والجدالات العبثية فضيلة، بينما الكلام من أجل إقامة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشهادة بالعدل، والهداية، وذكر الله واجب أو مستحب مؤكد. الحكمة هنا تعني وضع الكلام في مكانه المناسب والصمت في مكانه المناسب حتى تزدهر الحياة الفردية والاجتماعية وفقاً للمبادئ الإلهية. لذلك، يجب على كل مؤمن أن يتأمل في ظروفه ونيته ليقرر ما إذا كان الوقت مناسباً للصمت أم للكلام، وفي كلتا الحالتين، يجب أن يكون هدفه رضا الله وخير وصلاح المجتمع.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، كما يروى في بستان سعدي، جلس رجل كثير الكلام أمام حكيم، يتحدث بلا انقطاع عن مواضيع مختلفة، محاولاً أن يظهر بمظهر العالم والذكي. استمع الحكيم بهدوء بابتسامة لطيفة. عندما توقف الرجل أخيراً لالتقاط أنفاسه، قال له الحكيم بلطف: "اثنان بعيدان عن الحكمة: الصمت عندما يحين وقت الكلام، والكلام عندما يحين وقت الصمت." فكر الرجل في هذه الكلمات. تابع الحكيم: "الكلام كالدواء؛ إذا كان في وقته وبمقدار، فهو علاج، وإذا كان في غير وقته وكثيراً، فهو داء. عندما يجب عليك الدفاع عن الحق، فليكن كلامك سيفاً قاطعاً، وعندما لا يؤدي الكلام إلا إلى الغيبة والجدل، فليكن صمتك كنزاً من السكينة." طأطأ الرجل رأسه، ومنذ ذلك الحين، قبل كل كلمة، كان يتأمل: هل هذه الكلمة علاج أم داء؟ وهل حان وقت الكلام أم الصمت؟

الأسئلة ذات الصلة