لماذا تكون بعض النصائح مزعجة؟

تصبح النصيحة مزعجة عندما تُقدم بلا حكمة، بلهجة حادة، بنية غير صافية، أو بدون تعاطف؛ كما أن الحالة النفسية للمستمع لها دور. القرآن يؤكد على الحكمة، القول اللين، والنية الصافية.

إجابة القرآن

لماذا تكون بعض النصائح مزعجة؟

النصيحة، في جوهرها، هي هدية نابعة من النوايا الحسنة والشفقة، تُقدم بهدف تعزيز النمو، التصحيح، والتوجيه. من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إلهي واجتماعي يقع على عاتق المسلمين. ومع ذلك، تُظهر التجربة أن بعض النصائح، حتى وإن كانت بنية حسنة، لا تُقبل فحسب، بل يمكن أن تكون مزعجة أو حتى تؤدي إلى الضيق والاستياء. القرآن الكريم، وإن لم يشر مباشرة إلى مصطلح "النصيحة المزعجة"، إلا أنه يقدم مبادئ وتوجيهات دقيقة للغاية بشأن أسلوب الكلام، السلوك، وطريقة الدعوة إلى الحق، والتي عند الالتزام بها، يمكن أن تمنع ظهور مثل هذه المشاعر السلبية. يمكن البحث عن جذور كون بعض النصائح مزعجة في عوامل متعددة تتعلق أساسًا بطريقة الإلقاء، التوقيت، نية المتكلم، وحتى الحالة النفسية للمستمع، وتشير التعاليم القرآنية بلطف إلى كل بُعد من هذه الأبعاد. أول وأهم عامل ربما يجعل النصيحة مزعجة هو غياب "الحكمة" في تقديمها. يقول الله تعالى في سورة النحل، الآية 125: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". الحكمة تعني وضع كل شيء في مكانه الصحيح. النصيحة الحكيمة هي التي تُقدم مع مراعاة ظروف الفرد، في الوقت المناسب، في المكان المناسب، وبلغة مناسبة. النصيحة التي تُقدم دون فهم كامل لوضع الفرد، أو دون مراعاة حالته النفسية، أو في العلن وأمام الناس، حتى لو كان محتواها صحيحًا، يمكن أن تُعتبر مهينة ومزعجة بسبب عدم مراعاة الحكمة. عدم مراعاة الحكمة مؤشر على عدم فهم صحيح للجمهور وظروفه، مما يؤدي إلى تهميش الرسالة الأساسية للنصيحة وتسليط الضوء على جانبها الانتقادي أو المهين فقط. العامل الثاني هو استخدام "الكلام الجارح والعنيف" بدلاً من "الكلام اللين واللطيف". القرآن الكريم، حتى في مواجهة فرعون، أشد الطغاة في زمانه، أمر موسى وهارون أن يتكلما معه "قولًا ليِّنًا": "اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" (سورة طه، الآيتان 43-44). تعلمنا هذه الآية مبدأً أساسيًا في التواصل البشري: اللين واللطف في التعبير، حتى مع أشد الناس عنادًا، يمكن أن يفتح القلوب. النصيحة التي تُقدم بلهجة آمرة، ملامة، مهينة، أو بكلمات قاسية وجارحة، حتى لو كان محتواها حقًا، تؤذي نفس المستمع وتضعه في موقف دفاعي. الإنسان بطبيعته يقاوم الإهانة والعنف، فيغلق أبواب قلبه. هذا اللين في القول ليس حاسمًا فقط للدعوة إلى الإيمان، بل لكل أنواع النصيحة والتوجيه في الحياة اليومية. اللهجة، أكثر من المحتوى، يمكن أن تكون مؤثرة، والنصيحة التي تُقدم بلهجة حادة، بدلاً من أن تهدي، تؤدي إلى التباعد والنفور. العامل الثالث هو "النية غير النقية" أو "الشعور بالتفوق" لدى مقدم النصيحة. على الرغم من أن النصيحة تبدو ظاهريًا بنية حسنة، إلا أن هناك أحيانًا نوايا خفية مثل إظهار التفوق، إذلال الطرف الآخر، أو مجرد تفريغ العقد الداخلية. هذه النية، حتى لو كانت خفية، تُظهر نفسها من خلال اللهجة، النظرة، والكلمات، ويدركها المستمع. يؤكد القرآن الكريم بشدة على الإخلاص في الأعمال والنوايا الطاهرة. النصيحة التي تُقدم من باب الغرور، أو التعالي، أو التظاهر بالفضيلة، لا يمكن أن تكون فعالة، بل ستكون مزعجة. الإنسان بطبيعته يبتعد عن من يرى نفسه أفضل منه وينظر إليه من علو. ينصح لقمان ابنه بعدم التكبر والتبختر ويقول: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (سورة لقمان، الآية 18). هذا المبدأ ينطبق على كل من المستمع ومقدم النصيحة؛ يجب على مقدم النصيحة أن يتجنب أي نوع من التكبر أو التعالي أثناء تقديم النصيحة. العامل الرابع هو "نقص الفهم والتعاطف" مع المستمع. في بعض الأحيان، يقدم الناصح النصيحة دون أن يضع نفسه مكان الشخص ويفهم ظروفه، وينظر إلى الموضوع من زاوية جافة ومجردة، ويقدم حلولًا نمطية. هذا النوع من النصائح، الذي يفتقر إلى العمق والتعاطف، ليس فقط غير مفيد بل يعزز شعور المستمع بعدم الفهم والوحدة. يعلمنا القرآن الكريم أن نكون متعاطفين مع بعضنا البعض وأن نتفهم بعضنا البعض. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس بلطف وشفقة، وهذا العامل جذب القلوب إليه. أخيرًا، في بعض الأحيان تكون "الحالة النفسية والداخلية للمستمع" هي التي تجعل أي نصيحة، حتى لو قُدمت بأفضل طريقة ممكنة، تبدو مزعجة. قد لا يستطيع الشخص الذي يعاني من الضيق، الغضب، أو الاكتئاب، أن يتقبل النصيحة بشكل صحيح. يذكرنا القرآن الكريم بأن بعض القلوب "مختومة" أو "في آذانهم وقر" (كما في الآية 25 من سورة الأنعام التي تقول: "وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا"). على الرغم من أن هذه الآيات تشير في الغالب إلى أولئك الذين يرفضون الحق عمدًا، إلا أنه يمكن استنتاج أن استعداد القلب والعقل لدى المستمع يلعب دورًا في قبول النصيحة. في مثل هذه الحالات، واجب الناصح هو الصبر، الدعاء، وتهيئة الأجواء للتغيير بدلاً من النصيحة المباشرة والمتواصلة. لذلك، لكي تكون النصيحة فعالة ومفيدة وليست مزعجة، يجب الالتزام دائمًا بهذه المبادئ القرآنية: استخدام الحكمة والبصيرة في اختيار الوقت، المكان، والكلمات؛ مراعاة اللين واللطف في التعبير؛ امتلاك نية صافية وخالية من التكبر؛ والسعي لفهم الحالة النفسية والتعاطف مع المستمع. باتباع هذه النقاط، تتحول النصيحة بدلاً من أن تكون شوكة، إلى زهرة معطرة ومفتوحة للطريق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن ملكًا استشار منجمًا ليعرف كم سيعيش. قال المنجم الأول، بتهور وبدون حكمة: «عمرك قصير وستموت قريبًا.» تضايق الملك من هذا الكلام وطرده. أما المنجم الثاني، فخوفًا ومن أجل إرضاء الملك، قال: «طال الله عمرك! ستعيش طويلاً لدرجة أني وكثيرين غيري سنموت قبلك.» فسُر الملك ومنحه مكافأة. يقول سعدي في كتاب گلستان: «لكل مقام مقال.» تظهر هذه القصة أن الحقيقة نفسها يجب أن تُقال بحكمة وبطريقة مناسبة حتى لا تؤذي القلوب وتُقبل. النصيحة، وإن كانت نيتها طيبة، إذا قُدمت بلهجة حادة أو دون مراعاة حالة المستمع، يمكن أن تصبح شوكة في القلب بدلاً من أن تكون زهرة.

الأسئلة ذات الصلة