لماذا يسعى الإنسان للحصول على موافقة الآخرين؟

يرى القرآن حاجة الإنسان للموافقة كفطرة، ولكن إذا انحرفت هذه الحاجة من رضا الله إلى رضا الناس، فإنها تؤدي إلى النفاق. فالعزة والسلام الحقيقيان يكمنان في الإخلاص وطلب رضا الله، لا في موافقة الآخرين المتقلبة.

إجابة القرآن

لماذا يسعى الإنسان للحصول على موافقة الآخرين؟

ميل الإنسان إلى البحث عن موافقة الآخرين هو ظاهرة معقدة ومتجذرة، تنبع من أبعاد نفسية واجتماعية وحتى وجودية مختلفة. للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الحاجة مجرد ضعف شخصي أو نوع من التبعية. ومع ذلك، عند التمعن بعمق، يتضح أن هذا الميل جزء من النسيج الاجتماعي البشري، ويمكن أن يلعب دورًا مهمًا في رحلة المرء نحو الكمال أو الانحراف. القرآن الكريم، بنظرته العميقة إلى الفطرة الإنسانية وطبيعتها، وإن لم يتناول مصطلح 'طلب الموافقة' بشكل مباشر بالمصطلحات النفسية الحديثة، إلا أنه من خلال أوصافه لحقيقة الوجود البشري، ودوافعه، والقيم التي يجب على المرء أن يسعى إليها في الحياة، يقدم إرشادات واضحة في هذا الصدد، مبينًا الطريق إلى احترام الذات المستقر والتأكيد الإلهي. من المنظور القرآني، خُلق الإنسان كائنًا اجتماعيًا. تشير آيات عديدة إلى أهمية العلاقات الإنسانية، وتكوين الأسرة، والحياة المجتمعية. يتطلب هذا البعد الاجتماعي بطبيعة الحال التفاعل والتواصل مع الآخرين، حيث تتشكل الرغبة في القبول، والاحترام، والموافقة. الإنسان بفطرته ينفر من الرفض والعزلة، ويبحث عن الأمان والشعور بالانتماء داخل المجتمع. يمكن أن تتجلى هذه الحاجة إلى الانتماء في شكل طلب الموافقة، حيث يسعى الأفراد إلى كسب الإعجاب الإيجابي من الآخرين من خلال أفعالهم وكلماتهم لترسيخ مكانتهم في المجموعة. هذا الجانب من طلب الموافقة، إذا بقي ضمن حدود الاعتدال والقيم الإلهية، يمكن أن يكون بناءً ومفيدًا، لأنه يعزز التعاون والتضامن الاجتماعي. ولكن المشكلة تبدأ عندما تنحرف هذه الحاجة الطبيعية عن مسارها الأساسي وتتحول إلى هدف نهائي. يحذر القرآن بشدة من هذا الانحراف. فعندما يتجاهل الإنسان الرضا والموافقة الإلهية، ويكرس كل جهده واهتمامه لكسب رضا الناس، فإنه يقع في هوة الرياء والنفاق. الرياء، بمعنى أداء الأعمال للظهور والثناء من الناس، وليس لله، هو من أشد الصفات المذمومة في القرآن. في سورة الماعون، يوبخ الله المرائين بقوله: "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ" (الماعون: 4-6). تبين هذه الآية بوضوح أن حتى العبادات، إذا أُديت بنية كسب موافقة الناس، تفقد قيمتها وتُلام. إن هذا التأكيد القرآني على الإخلاص في الأعمال هو في جوهره استجابة عميقة لمسألة طلب الموافقة؛ يجب على الإنسان أن يؤدي أعماله لله وحده ليتحرر من قيود آراء الناس المتغيرة وغير المستقرة. يعلم القرآن البشرية أن العزة والكرامة الحقيقية لا تكمن في نظر الناس، بل هي عند الله وحده. في سورة فاطر، الآية 10، نقرأ: "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۖ". تنص هذه الآية بوضوح على أن المصدر الأسمى للعزة والتأييد هو الله وحده. عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة ويوجه قلبه نحو المصدر الوحيد للعزة، فإنه يتحرر من قلق البحث عن موافقة الآخرين. يحقق هذا الفرد سلامًا داخليًا لأنه بنى قيمته الذاتية على معايير إلهية، وليس على معايير بشرية متغيرة وغير مستقرة. هذا السلام هو ثمرة الثقة والتوكل على الله، وهو ما تم التأكيد عليه في العديد من الآيات القرآنية. فمن يتوكل على الله لا يحتاج إلى الاعتماد على الناس أو رغباتهم، ويعلم أن الموافقة والرضا الإلهي يغنيانه عن أي موافقة أخرى. علاوة على ذلك، في سورة التوبة، الآية 62، يذكر القرآن صراحة أولوية رضا الله على رضا الناس: "يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ۖ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ". تصور هذه الآية بوضوح موقفًا يسعى فيه الناس إلى إرضاء الآخرين، حتى بالكذب والتظاهر، بينما يجب عليهم أن يضعوا رضا الله في الأولوية. لا يعني هذا التأكيد تجاهل مكانة الناس أو العلاقات الاجتماعية. بل يعني أنه في الصراع بين رضا الخلق ورضا الخالق، يجب أن يكون رضا الخالق دائمًا هو الأرجح. يمنح هذا النهج الأفراد استقلالًا فكريًا وسلوكيًا، ويحررهم من عبودية الأحكام البشرية السطحية والعابرة. فبدلًا من القلق بشأن تصورات الناس، سيكونون مهتمين بتصور ربهم. في الختام، يذكر القرآن البشرية بأن الحياة الدنيا هي اختبار، وأن الأعمال البشرية ستحاسب يوم القيامة. في هذه الرحلة، المعيار الأساسي لتقييم الأعمال هو النية والإخلاص، وليس مدى موافقة الناس وثناءهم. فمن يبني حياته على أساس كسب رضا الله، يحقق استقرارًا روحيًا وطمأنينة عميقة لا يمكن لأي تقلب في آراء الناس أن يعكر صفوها. يقوم هذا الشخص بواجبه، بغض النظر عن مدح الآخرين أو ذمهم، لأنه يعلم أن الجزاء والمكافأة الحقيقيين هما عند الله وحده. إن طلب الموافقة المفرط يصرف الأفراد عن هذا الهدف الأساسي، ويوقعهم في دوامة من الهموم العبثية والضغوط النفسية. لذلك، يقدم القرآن، بدعوته إلى الإخلاص، والتوكل على الله، وطلب العزة منه، سبيلًا للتحرر من قيود طلب موافقة الآخرين والوصول إلى تقدير الذات الحقيقي والسلام الداخلي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يقال إن رجلًا حكيمًا عاش في عصر كان فيه مشهورًا بين الناس بالخير والصدق. ولكن بعض الحسّاد سعوا لتشويه سمعته وتحدثوا عنه بالسوء أمام الحاكم. استدعى الحاكم الرجل، وبوجه عابس سأله: 'ماذا فعلت حتى يتحدث الناس عنك هكذا؟' أجاب الرجل الحكيم بهدوء: 'يا حاكم، طوال حياتي لم أسعَ لرضا الخلق، فرضا الخلق لا نهاية له ولا حد. لقد سعيت فقط لرضا الخالق، لأنه وحده يستحق الرضا، ومن يرضيه فلا حاجة له لتأييد العباد. كلام الناس كالريح يأتي ويذهب، أما ما عند الحق فيبقى.' تأثر الحاكم بكلامه وعرف أنه على حق، وخجل الحسّاد، وعاد الرجل إلى سلام نفسه الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة