لماذا أندم أحيانًا على الإحسان؟

الندم على الإحسان غالبًا ما ينبع من انتظار المكافأة أو الشكر من الناس. يؤكد القرآن أن الأعمال الصالحة يجب أن تُفعل بنية خالصة لله، لضمان الأجر الحقيقي والسلام الدائم.

إجابة القرآن

لماذا أندم أحيانًا على الإحسان؟

إن الشعور بالندم بعد القيام بعمل إحساني هو شعور غريب قد يمر به الكثير منا. ينبع هذا الشعور المزعج غالبًا من توقعاتنا حول نتائج أعمالنا الطيبة أو ردود فعل الآخرين، بينما جوهر الإحسان الحقيقي في المنظور القرآني يتجاوز هذه التوقعات الدنيوية بكثير. يدعو القرآن الكريم المؤمنين باستمرار إلى فعل الخير والإحسان والإنفاق في سبيل الله، ولكنه يقدم أيضًا إرشادات دقيقة حول كيفية تحقيق هذه الأعمال الصالحة أفضل النتائج، سواء في الدنيا أو الآخرة، لتكون بعيدة عن أي ندم أو حسرة. إن الجذر الأساسي للندم على الإحسان يكمن عادة في "نيتنا". إذا كانت نيتنا من مساعدة الآخرين هي كسب التقدير، أو الشكر، أو الشهرة، أو حتى الحصول على خدمة بالمثل في المستقبل، فمن الطبيعي أن ينتابنا شعور بالإحباط والندم عندما لا تتحقق هذه التوقعات. يشدد القرآن مرارًا وتكرارًا على "الإخلاص" في العمل؛ أي القيام بكل شيء من أجل رضى الله تعالى وحده، دون انتظار مكافأة أو مدح من البشر. عندما تكون نيتنا خالصة لله، فإن ردود فعل الناس أو عدم ردودهم، وشكرهم أو نكرانهم، لا يمكن أن يؤثر على قلوبنا ويسبب لنا شعورًا بالندم. لأن مكافأتنا الأساسية لا ننتظرها من الخلق بل من الخالق، وهو لا يُخلف وعده أبدًا في إعطاء الأجر. تتناول آيات القرآن هذه المسألة بوضوح. فمثلاً، في سورة البقرة، الآية 264، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..." أي: "يا أيها الذين آمنوا، لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رياء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر..." تحذر هذه الآية بوضوح من أن المَنّ على من أحسنا إليه أو إيذاؤه، يمكن أن يُبطل أجر العمل الصالح. والندم الذي نشعر به هو نوع من المَنّ الداخلي الذي ينبع من عدم تلقي "ما توقعناه". تُظهر هذه الآية أنه إذا كان عملنا الخيري من أجل المباهاة أو مع توقع الشكر من الناس، فهو كالبذرة التي زُرعت على صخرة، فإذا أصابها قليل من المطر (هنا، عدم تحقيق توقعاتنا)، جرفت ولم يبقَ لها أثر. في المقابل، تقول الآية 262 من نفس السورة: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" أي: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون." تبدو هذه الآية وكأنها وصفة شافية للتخلص من الندم. فهي تعد بأن الإحسان إذا كان بلا منّ ولا أذى، فليس فقط له أجر عظيم عند الله، بل لن يصيبهم أي خوف أو حزن (بما في ذلك الندم). سبب آخر للندم قد يكون عدم فهم حقيقة أن عائد الخير والإحسان يعود بالدرجة الأولى إلينا، وليس بالضرورة عن طريق الشخص نفسه الذي ساعدناه. في سورة البقرة، الآية 272، نقرأ: "...وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" أي: "...وما تنفقوا من خير فلأنفسكم؛ وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله؛ وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون." تعبر هذه الآية بجمال عن أن كل عمل خير نفعله، فإن نفعه وبركته يعودان إلينا في النهاية. وقد يكون هذا العائد في صورة راحة نفسية، أو تيسير أمور، أو حماية من بلايا، أو زيادة في الرزق، وفوق كل ذلك، الأجر الأخروي. عندما نفهم هذا المنظور القرآني العميق، لن نحتاج إلى تأكيد خارجي بعد الآن، وسوف يحل شعور اليقين والرضا الإلهي محل الندم. كما يجب ألا نغفل عن وساوس الشيطان. الشيطان دائمًا في كمين ليُبطل أعمال الناس الصالحة أو يضعف دوافعهم. فإحداث شعور بالندم بعد عمل الإحسان هو إحدى حيله لثني الإنسان عن مواصلة طريق الخير. يحاول أن يثبط عزيمتنا بتضخيم نكران الجميل أو التقليل من شأن أثر العمل الصالح. ومواجهة هذه الوساوس تتطلب تقوية الإيمان، والتوكل على الله، وتذكير النفس بمكافآت الله اللامتناهية. في الختام، للتخلص من هذا الشعور بالندم، يجب علينا دائمًا مراجعة نيتنا. هل إحساننا حقًا لوجه الله؟ هل ننتظر مقابلًا أو شكرًا؟ إذا كانت الإجابة نعم، فعلينا أن نسعى لتنقية نيتنا. يجب أن نعلم أن أثمن المكافآت هي تلك التي تأتي من رب العالمين، وهو يجزي المحسنين جزاء كاملاً بلا حدود. الصبر أيضًا مهم في هذا الطريق. فربما الخير الذي نفعله اليوم، ستظهر ثماره في مستقبل أبعد وبشكل غير متوقع. بالتوكل على الله واليقين بوعوده الإلهية، يمكننا تطهير قلوبنا من أي ندم وتجربة متعة الإحسان الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً محسناً كان دائمًا يساعد المحتاجين ولم يكن يتوقع المدح من أحد. في أحد الأيام، قدم مساعدة كبيرة لرجل فقير، لكن الرجل لم ينبس ببنت شفة شكرًا، ومر بجانبه ببرود. فكر الرجل المحسن في نفسه: "ما فائدة هذا؟ لقد بذلت جهدًا ولم أجد سوى نكران الجميل." في تلك الليلة، رأى في المنام شيخًا حكيمًا قال له: "يا أيها الشاب النبيل، إذا أردت الشكر، فلا تطلبه من الناس، فهم ينسون بسرعة. الشكر الحقيقي والأجر العظيم عند الكريم الذي لا ينسى أبدًا ويحب المحسنين. هل أعطيت لله، أم لمدح الخلق؟" استيقظ الرجل المحسن نادمًا على خطئه، ومنذ ذلك الحين، قام بأعمال الإحسان خالصًا لوجه الله وحده. ولم يندم على أفعاله بعد ذلك أبدًا، لأنه وجد سلامًا عميقًا في قلبه لم يستطع أي نكران للجميل أن يمحوه.

الأسئلة ذات الصلة