الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى الغرور تدل على ضعف في إيمان الشخص وعلاقته بالله.
في القرآن الكريم، يُعتبر التواضع والخضوع من الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها كل مؤمن. فالمؤمن الحق يتنعّم بقيم التواضع، إذ يُعبر هذا السلوك عن عمق إيمانه وعلاقته بالله سبحانه وتعالى. ولقد حثَّ القرآن الكريم بصورة واضحة على أهمية هذه الصفات، حيث تناولها في عدة مواضع. من بينها سورة لقمان، حيث يُشير الله تعالى إلى أهمية التواضع ويدعو عباده لتجنب الغرور والتفاخر. ففي الآية 18 من السورة، يقول الله: "وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۚ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ". هذه الآية تحذر بلا لبس من الغرور والتفاخر، وهما من الصفات المُنكَرة التي لا يُحبها الله. عندما نتحدث عن التواضع، نجد أنه يحمل معاني عديدة تتجاوز مجرد الانحناء أمام الآخرين. فهو يعني الاعتراف بنقص الذات أمام الله وأمام الآخرين، وتبني سلوكيات تدل على التواضع في التعامل مع الآخرين. فعندما يكون الإنسان متواضعًا، فهذا يُظهر مجهوداته في خدمة الناس ويُعبر عن روح التعاون والإخاء. كما أنه يُشجع المؤمنين على عدم الالتفات إلى مظاهر الفخر أو التفوق الذاتي. فالتواضع هو قيمة ترفرف فوق الجوانب البشرية وتنعكس في سلوك الفرد. في سورة الأنعام، يأتي التحذير الإلهي ليؤكد الحاجة إلى التواضع، حيث يُذكر المؤمنون في الآية 152 بضرورة الاعتراف بذنوبهم وطلب المغفرة من الله. هنا، يتجلى ارتباط التواضع بالإيمان، حيث يستطيع المؤمن أن يدرك أنه ليس معصومًا من الخطأ، وأن التفاؤل والتفاخر يمكن أن يكونا عائقين أمام الإيمان الحقيقي. قد يحمل الشخص مزايا وقوة، ولكنها كلها من فضل الله، وعليه أن يتواضع ليكون في خدمة الآخرين بإخلاص. من الضروري أن نفهم أن التواضع لا يعني ضعف الشخصية أو فقدان الهوية، بل على العكس، إنه دليل على القوة الحقيقية. فالشخص الذي يعرف نفسه ويستطيع السيطرة على غرائزه هو في الحقيقة يمتلك شخصية قوية. وغالبًا ما يجد الأشخاص المتواضعون قبولًا أكبر من قبل الآخرين، حيث يُعتبرون قدوة يُحتذى بها. إن هذه الصفات تُعزز الروابط الإنسانية والاجتماعية، مما يساهم في تكاتف الأفراد وتحقيق الأهداف المشتركة. وفي حالات الاستجابة للأزمات والتحديات، يتجلى التواضع كصفة محورية. عندما يكون لدى الإنسان القدرة على الاعتراف بأخطائه، فإنه يُعزز من مصداقيته أمام الآخرين، مما يُساهم في تحسين العلاقات الإنسانية. الكبرياء قد يقود الانسان إلى فقدان المعنى الحقيقي للحياة. فعندما نرى الأشخاص الذين يتسلط عليهم شعور العظمة والغرور، نجد أنهم يصبحون منعزلين عن المجتمع، مما يؤدي في النهاية إلى الوحدة والندم. فالغطرسة تُكسب الإنسان عداوة الآخرين وكرههم، بينما يُمكن أن يُحظى الشخص المتواضع بقلوب الآخرين ورضاهم. الجوانب الأكثر أهمية في حياتنا اليومية هي الجهود المبذولة للحفاظ على هذين القيمتين وتجنب الكبرياء. يحتاج المؤمن إلى التذكير دومًا بأنه ليس هناك من هو كامل، وأننا جميعًا معرّضون للخطأ. في هذا الصدد، تأتي العبادة الخالصة لله كوسيلة للتخفيف من مشاعر الكبرياء والتذكير بأن ما لدينا هو من فضل الله ونعمه. كلما واجهتنا الصعوبات والاختبارات، نتعلم أن التواضع هو مفتاح لتجاوز الأزمات. فعندما نظهر استعدادنا للاعتراف بالقصور ونتقبل المساعدة من الآخرين، نكون قد أظهرنا تواضعًا حقيقيًا أمام الله وأمام الناس. إن التواضع ليس ضعفًا، بل هو قوة تحتاج إلى شجاعة للاعتراف بالخطأ. في النهاية، يُعتبر التواضع والخضوع علامات على الإيمان القوي والعلاقة السليمة مع الخالق والخلائق. فلا ينبغي لنا أن نغفل عن أهمية التواضع في حياتنا وعلى تأثيره الإيجابي على علاقاتنا اليومية، وخصوصًا في ظل ما يواجهه المجتمع من تحديات متعددة. إن تكريس هذه القيم في أنفسنا وفي أبنائنا هو مفتاح لأمة قوية ومتآلفة، حيث ينبغي أن نعمل دوماً على نشر قيم التواضع والخضوع، لأنها تعكس روح التعاون والإخاء في المجتمع، وتعيننا على تجاوز الصعوبات وتحقيق الأهداف المشتركة.
قصة من سعدي تقول إن رجلاً كان يسعى باستمرار للحصول على الانتباه لأعماله الطيبة وغالبًا ما تفاخر بشأنها. يومًا ما قال له رجل مسن: "هل تنسى نفسك حقًا في أعمالك الصالحة؟ لماذا تعتقد أنك أفضل من الآخرين؟" جعلته هذه الكلمات يفكر وتذكيره بأن الخير يجب أن يكون في القلب وليس على اللسان. قرر أن يتصل بهدوء مع الله ويتجنب مدح نفسه.