الشعبية الظاهرية للأشرار هي جزء من الابتلاء الإلهي الذي يختبر الإيمان. تنشأ هذه الظاهرة غالبًا من إغراءات الدنيا، ووساوس الشيطان، ومهلة الله للظالمين، وكلها مؤقتة وغير مستقرة، بينما الحق هو المنتصر الأخير دائمًا.
إن فهم ظاهرة شيوع أو شعبية الأفراد الذين يسلكون طريقًا خاطئًا، سواء من الناحية الأخلاقية أو الإيمانية، يُعد من التحديات المعقدة التي تشغل بال الكثيرين. من منظور القرآن الكريم، لا يمثل هذا الوضع تناقضًا، بل هو جزء لا يتجزأ من نظام الابتلاء الإلهي، وتجلي من تجليات الحكم الإلهية العميقة. لا يتناول القرآن بشكل مباشر مصطلح «الشعبية» للأشخاص «السيئين» بالمعنى الحديث، ولكنه يقدم مبادئ ومفاهيم توضح هذه الظاهرة. تشمل هذه المفاهيم: الابتلاء الإلهي، والجاذبية الخادعة للحياة الدنيا، وتأثير وساوس الشيطان، والطبيعة العابرة والزائلة للباطل، وإمهال الله للظالمين. أول وأهم تفسير قرآني لهذه الظاهرة هو مبدأ «الابتلاء الإلهي». يذكر الله تعالى في آيات عديدة من القرآن أن الحياة الدنيا هي ميدان اختبار وابتلاء للإنسان. كما ورد في سورة العنكبوت الآيتين 2-3: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ». في هذا السياق، يمكن أن يكون رؤية الأشخاص المخطئين في مراكز النجاح الظاهر أو حصولهم على الإعجاب اختبارًا كبيرًا للمؤمنين. يختبر هذا الابتلاء مدى ثبات المؤمن على معتقداته وقيمه الإلهية في مواجهة الإغراءات الظاهرية والتأثير الجماعي. يمكن لهذه الشعبية الظاهرية أن تتحدى صبر الأفراد وبصيرتهم وقدرتهم على تمييز الحق من الباطل. العامل الثاني هو «الجاذبية الخادعة للحياة الدنيا». يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا من أن الحياة الدنيا خادعة وزائلة، ولا ينبغي التعلق ببريقها. في سورة الحديد الآية 20، وصفت الدنيا كالتالي: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». قد يُظهر بعض الأشخاص السيئين مظهرًا جذابًا وناجحًا بسبب ثروتهم، أو سلطتهم، أو مكانتهم الاجتماعية الكاذبة، أو قدرتهم على الخداع واستخدام الحيل النفسية، مما يجذب انتباه الكثيرين بسرعة. هذه الشعبية لا تترسخ في الحقيقة أو الفضيلة، بل تتشكل بناءً على ظواهر خادعة ستتلاشى عاجلاً أم آجلاً، كاشفة عن حقيقتها الداخلية. السبب الثالث يعود إلى «تأثير وساوس الشيطان». يسعى الشيطان دائمًا إلى تجميل الباطل في عيون البشر وإضلالهم عن طريق الحق. يذكر القرآن أن الشيطان يزين أعمال المسيئين لهم. لا يقتصر هذا التزيين على الفرد نفسه، بل يمكن أن يجعل أعمال وشخصية الشخص السيئ تبدو مرغوبة وجديرة بالثناء في نظر الآخرين. يستغل الشيطان نقاط الضعف البشرية، مثل الطموح، والجشع، والأنانية، والرغبة في اللذات الفورية، مما يجعل طريق الباطل سهلاً وشعبيًا على ما يبدو. ونتيجة لذلك، يتأثر الأشخاص الذين يفتقرون إلى البصيرة الكافية أو الذين يعانون من ضعف الإيمان بسهولة بهذه الزينة الشيطانية وينجذبون نحو هؤلاء الأفراد. النقطة الرابعة هي «الطبيعة العابرة والزائلة للباطل». يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحق باقٍ وأن الباطل زائل. في سورة الإسراء الآية 81 نقرأ: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا». إن شعبية الأشخاص المخطئين، مهما بدت واسعة الانتشار في مرحلة ما، عادة ما تكون غير دائمة. هذه الشعبية الزائفة، مثل الزبد الذي يطفو على الماء، تتلاشى بسرعة، ولا يبقى إلا حقيقة أعمالهم ونواياهم. عندما تتضح الطبيعة الحقيقية والأهداف الخاطئة لهؤلاء الأفراد، ينقلب عليهم من خدعوا بهم. التاريخ مليء بأمثلة لقوى أو شخصيات تبدو ناجحة ظاهريًا، ولكنها سقطت بسرعة بسبب أسسها الفاسدة. الجانب الخامس يتعلق بـ«إمهال الله للظالمين». هذا مبدأ قرآني مهم يؤكد أن الله لا يعاقب الظالمين والمسيئين فورًا، بل يمهلهم لعلهم يتوبون، أو حتى يكتمل سجل أعمالهم. في سورة إبراهيم الآية 42 يقول تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ». هذا الإمهال، الذي يظهر أحيانًا في صورة نجاح أو شعبية دنيوية، ليس علامة على الرضا الإلهي ولا يعني التحرر من العقاب. بل هو فرصة للتوبة أو لامتلاء كأس أعمالهم. في النهاية، سيكون الحساب الإلهي صارمًا للغاية. من المنظور القرآني، واجب المؤمن في مواجهة هذه الظاهرة هو الحفاظ على البصيرة، والالتزام بالحق، وعدم الانخداع بالظواهر الدنيوية، والتوكل على الله. يجب ألا تزعزع الشعبية الظاهرية والعابرة للأفراد الخاطئين إيمان المؤمنين، بل يجب أن تجعلهم أكثر ثباتًا على طريق الحق واتباع القيم الإلهية. في النهاية، النصر الحقيقي والدائم هو لأهل الحق والتقوى، حتى لو واجهوا صعوبات في الدنيا أو كانوا تحت ظل شعبيات كاذبة.
يُروى أنه في زمن من الأزمان، كان هناك رجلان في مدينة: أحدهما خطيب بلسان عذب ومظهر أنيق، أينما تحدث، افتتن به الناس وأثنوا عليه، على الرغم من أن كلامه لم يكن سوى وعود فارغة وتأكيدات لا أساس لها. والآخر كان حكيمًا معتزلاً بقلب مليء بالنور وكلام يفيض بالحكمة والنصيحة، لكن مظهره كان بسيطًا وغير متكلف، وقلة من الناس في التجمعات كانوا يتوجهون إليه. كان الناس ينجذبون أكثر إلى بريق الخطيب، ويحدثون ضجة وصخبًا في مجالسه. لكن الأيام دارت دورتها، وفجأة، كُشفت أفعال الخطيب وظهرت أكاذيبه. تحول ذلك الصخب إلى خيبة أمل، والثناء إلى ذم. أما الحكيم المعتزل، فإن كلامه الذي نبع من القلب، استقر في القلوب، ومع مرور الوقت، تعمقت أفكاره كالجذور في التراب، وأدرك الناس تدريجيًا قيمته الحقيقية. قال سعدي: «من يطلب أساس الكمال، فليس الشهرة العابرة، بل المصداقية الدائمة».